لا يكلف الله تعالى عباده إلا بعد إقامة الحجة عليهم، ولا يكلفهم إلا ما يسعهم وما يقدرون عليه وما يطيقونه وما يعلمون، لأنه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصر في التعليم. أما الجاهل المقصر في معرفة الأحكام والتكاليف فهو مسؤول عند الله تعالى ومعاقب على تقصيره، إذ يجب على كل إنسان أن يتعلم ما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية.
والله تعالى لا بد أن يكلف عباده ويسن لهم الشرائع وما فيه صلاحهم وخيرهم ليدلهم على طرق الخير والسعادة الدائمة ويرشدهم إلى ما فيه الصلاح، ويزجرهم عما فيه الفساد والضرر عليهم وسوء عاقبتهم، وإن علم أنهم لا يطيعونه، لأن ذلك لطف ورحمة بعباده وهم يجهلون أكثر مصالحهم وطرقها في الدنيا والآخرة، ويجهلون الكثير مما يعود عليهم بالضرر والخسران. والله تعالى هو الرحمن الرحيم بنفس ذاته وهو من كماله المطلق الذي هو عين ذاته ويستحيل أن ينفك عنه. ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمردين على طاعته غير منقادين إلى أوامره ونواهيه.