عندما يؤمن الإنسان بعقيدة أو مبدأ أو رأي أو فكرة ما، ينبغي أن تكون ثمة مقدمات تسبق هذا الإيمان، على المؤمن أن يعرفها ويفهمها جيدا، فالإيمان من دون فهم يُبقي على عقل الإنسان في حالة من التيه والغموض والتردد أيضا، وبعد أن يسعى الإنسان في طريق المعرفة، ويقوم بما يترتب عليه من سياقات تخص الاطلاع والاكتساب المعرفي، ستأتي مرحلة مهمة أيضا، وهي تتعلق بالواجبات المطلوبة من الإنسان المؤمن بهذه العقيدة أو تلك، وبهذه المبادئ أو تلك.
وحين يتعلق الكلام بالإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، فإننا بعد أن نفهم قضيته على نحو واضح، ونتعرف عليها جيدا بعد الإطلاع والبحث الدؤوب، تبدأ مرحلة الواجبات الملقاة على عاتقنا كمؤمنين بأهداف ومبادئ الإمام عجل الله فرجه، ولعل الواجب الأول الذي يتقدم جميع الواجبات في الأهمية، هو نشر قضية الإمام في تحقيق العدالة وإنصاف المظلومين ومنع الانتهاكات التي تُلحق بالناس من أي نوع كان ومن أي قوة أو مصدر كان، حتى يتعرف المسلمون ومن بعدهم العالم أجمع على قضية الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف التي جوهرها تخليص البشرية من الظلم وما يحدث لهم بسبب السياسات الظلمة والكيل بأكثر من مكيال.
أما الكيفية التي نؤدي بها واجباتنا، فهي واضحة ومتسلسلة وليست صعبة، في حال قرر الإنسان المؤمن أن يلتزم بها ويؤديها على النحو الأفضل، وإجمالا تتركز هذه الواجبات في جملة من الإجراءات التي يتصدى لها المؤمنون بالإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وتتقدم جميع تلك الواجبات الإسهام في نشر أهداف ومبادئ الإمام.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في الكتاب القيم الموسوم بـ (من عبق المرجعية)
إن من أقلّ ما يمكن القيام به لخدمة الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو أن يخصّص كل واحد منكم مقداراً من المال يطبع به كتاباً عنه عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ولا يشترط أن يكون الكتاب ضخماً بل كل حسب سعته.
ومما يسعى إليه المؤمنون ويشكل أحد أهم أحلامهم وأكبر أمنياتهم هو اللقاء بالإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لأن حصول هذا اللقاء يؤكد الرضا الإلهي عمّن يلتقي بالإمام، وهذه إشارة مؤكدّة على نجاح الإنسان في الاختبار الدنيوي، أما كيف يتحقق هذا اللقاء المبارك، فإن أداء واجبات المؤمن تجاه إمام العصر والزمان هو الإجراء الأهم في حياة الإنسان كي ينال مرتبة القبول والرضوان الإلهي.
كما في (إذا أردنا أن نتشرّف بلقاء الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فعلينا أن نسعى في تقليل نقاط الضعف وإصلاح النفس، فلو أصلحنا أنفسنا فإن الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو الذي سيأتي إلينا قبل أن نذهب إليه.
رضا الله من رضا الإمام المنتظر
من الأهمية بمكان أن يتقن المؤمن مهمته تجاه إمامه المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، حتى يضمن الرضا الرباني، ويطمئن بأنه سيجتاز الاختبار بنجاح في الدار الأولى، بالطبع درجة النجاح سوف ترتبط بمدى ثقة الإنسان المؤمن بأنه قام بواجباته تجاه إمامه على النحو المطلوب، لذلك ينبغي أن يراعي المؤمن واجباته كما يجب حتى لا يفقد الفرصة المتاحة له، وكي يضمن رضا الوسيط الأعظم بينه وبين خالقه، وبالتالي سيكون ممن فاز في الامتحان الشاق وعبر إلى شاطئ الأمان.
فثمة مسؤولية ينبغي أن يفهمها الإنسان المؤمن أولا، ومن ثم عليه أن يتصدى لهذه المسؤولية بثقة ودقة واستعداد تام، وتهيئة روحية وقلبية إيمانية خالصة، تقي الإنسان من العثرات الدنيوية التي قد تأخذ بقدميه وقلبه نحو الزلل، لذلك فإن فهم الواجبات الملقاة على عاتقنا اشتراط بالغ الأهمية، ويعدله في الأهمية نفسها اشتراط التطبيق الدقيق والتام للواجبات بعد معرفتها بإتقان.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي:
إن أردنا ونحن في عصر الغيبة أن نكسب رضا مولانا الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف فعلينا أن نكون كما يحبّ صلوات الله عليه، وهذا الأمر يرتبط أولاً ارتباطاً وثيقاً بمدى معرفتنا لمسؤوليتنا والواجب الملقى علينا، وثانياً بتطبيقهما والعمل بهما.
كما أننا مطالبون في هذا اليوم المبارك، يوم ولادة الإمام الحجة المنتظر، بإعادة النظر في الأفكار والسلوكيات الخاطئة التي قد تبدر منا، لهذا السبب أو ذاك، ونجعل من هذا اليوم المبارك نقطة انطلاق لتصحيح المسارات المنحرفة إن وجدت، فالإنسان طالما أنه يعيش في غابة المصالح ومتاهات الطمع والجشع، وتضارب المصالح، فإنه قد يخطئ في بعض قراراته، وقد يرتكب الظلم أو الأذى أو التجاوز على حقوق الآخرين، حتى لو كان متحرزّا من اقتراف الأخطاء، لذلك هذا اليوم الفريد من نوعه لا يتكرر إلا مرة واحدة بالسنة، وما على الإنسان المؤمن سوى استثمار هذه الفرصة الكبيرة لتصحيح ما يرتكبه من أخطاء بحق نفسه والآخرين لأي سبب كان، حتى يضمن أنه يسير في الجادة الصواب.
يطالبنا سماحة المرجع الشيرازي بأن:
نعاهد الله في ذكرى مولد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف على أن نبدأ بسلوك طريق الحقّ؛ فلعلنا نبلغ المقصود بعد زمان طال أو قصر، فإن من سلك الطريق لا بد وأن يصل.
المطالعة والتثقيف مهمة الجميع
ولأن قضية الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف تكتسب هذه الأهمية العظمى في حياة المسلمين والناس جميعا، فهي تستوجب سعي الإنسان للمعرفة والاطلاع المستمر، خصوصا أنها قضية كبيرة متشعبة الجوانب، وفيها الكثير مما يوجب المتابعة والفهم والتدقيق، لكي لا يسهو الإنسان، ولا ينسى جانبا ما من جوانب القضية المهدوية التي تضع في مدارها تخليص البشرية من الظلم والحرمان، وذلك بنشر العدل والمساواة والإنصاف وكل القيم العظيمة المؤازرة للإنسان، في ربوع المعمورة كلها وبين أفراد البشرية كلها، في أي مكان أقام أفرادها وأقوامها.
وسوف تسهل مهمة الاطلاع التام على قضية الإمام المهدي بكل ما تنطوي عليه من سعة وتشعب، عن طريق نشر هذه القضية العظيمة بكل ملحقاتها وفروعها وتفاصيلها، حتى يمكن للجميع فهمها وهضمها ونشرها، وهذا يمكن أن يتم من خلال مضاعفة الكتب والمطبوعات التي تتصدى لهذه القضية، أما زيادة الكتب والمطبوعات فإنها تكون ضمن واجبات الإنسان المؤمن، فعليه أن يُسهم في هذا الجهد بكل ما يستطيع، بالأموال أو سواها، فالمهم هنا مشاركة الجميع في نشر أهداف القضية المهدوية وإيصال تفاصيلها إلى الجميع.
لذلك يعلن سماحة المرجع الشيرازي بأننا:
بحاجة إلى مليارات النسخ من المطبوعات عن الإمام صاحب الزمان سلام الله عليه، فنفوس العالم بلغت المليارات، فليخصّص كل واحد منكم من الآن مقداراً من المال يطبع فيه كتاباً عن الإمام عجّل الله تعالى فرجه، ولا مانع من أن يطلب العون من أهله وأقربائه ومن زوجته وابنه وأخيه وأخته في هذا المجال.
ونظرا لعمق وسعة مضامين قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه، فهذا يستوجب أن تكون مطالعاتنا لهذه القضية بكل من تشتمل عليه من أساسيات وتفرعات، بما يوازي هذه الأهمية القصوى، أي أننا مطالبون بمضاعفة الاطلاع والقراءة والبحث والاستفسار والاستزادة من المعلومات التي توفرها لنا المطبوعات التي تعرض وتفصّل لقضية إمام العصر والزمان، على أن تكون المطالعة متبحّرة وعميقة، حتى يتسنى لنا هضم الأفكار المهدوية بالصورة التي تجعلها واضحة في عقولنا وقلوبنا، لترسم لنا طريق السمو والسؤدد، وتجعلنا أقرب إلى الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، ففي نهاية المطاف نحن أحوج ما يمكن لمساعدته ومساندته لنا في متاهة الدار الأولى، وهذا لا يتحقق لنا إلا بأداء الواجبات الملقاة علينا، ومن ثم التطبيق السليم لما يريده منّا إمامنا الغائب الحاضر بيننا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
إنّ موضوع الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه من المواضيع العميقة والواسعة، والمتشعّبة الجوانب، والكثيرة الفروع، الأمر الذي يتطلّب منّا أن نزيد من مطالعاتنا، ويتدّبرن في هذا الموضوع الهام.
منقول عن شبكة النبأ