كلمة المرجع الشيرازي في ذكرى استشهاد النبيّ صلى الله عليه وآله

أخبار وتقارير
2018-11-12

ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله كلمته السنوية في مناسبة ذكرى استشهاد خاتم الأنبياء والمرسلين، سيّدنا ومولانا رسول الله الأعظم محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله، يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر صفر 1440هـ.

 

ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله كلمته السنوية في مناسبة ذكرى استشهاد خاتم الأنبياء والمرسلين، سيّدنا ومولانا رسول الله الأعظم محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله، يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر صفر 1440هـ.

وفيما يأتي النص الكامل للكلمة:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

"أرفع التعازي للمقام الشامخ والمنيع والرفيع، صاحب العصمة الكبرى، مولانا بقيّة الله الأعظم الإمام المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه بذكرى استشهاد أشرف الأولين والآخرين، سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله. وأعزّي كافّة المؤمنين والمؤمنات، في كل نقطة من نقاط العالم. وأعزّي كافّة المستضعفين الذين يعدّهم الطواغيت ضعفاء، ومارسوا الظلم الكثير بحقّهم ولا زالوا يظلمونهم. وأرجو بالتعجيل في الظهور الشريف لسيّدنا بقيّة الله الأعظم صلوات الله عليه ليزول الظلم الذي لفّ العالم كلّه.

يقول القرآن الكريم حول استشهاد نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله: « وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ». سورة آل عمران: الآية144.

 

الانقلاب على الأعقاب

لقد عبّر الله تبارك تعالى عمّا سيحدث من بعد استشهاد النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله بين المسلمين بكلمة (انقلاب) ولم يكتف الله تعالى بذكر كلمة الانقلاب بل أعقبها بكلمة (على أعقابكم)، وهذا يعني انّه وقع في الأمة الإسلامية انقلاب كامل مئة بالمئة.

 

الشكر لمقيمي الشعائر

قبل البدء بأصل الحديث، ومن باب المسؤولية الشرعية الملقاة عليّ، أشكر وأقدّر كل الذين خدموا وسعوا وبذلوا الجهود في شهري محرّم الحرام وصفر الأحزان وبالخصوص في إحياء الشعيرة الإلهية المقدّسة وهي شعيرة الأربعين الحسيني، في كل مكان من العالم، من المسؤولين والأثرياء، والفقراء والضعفاء وأصحاب الدخل المالي الضعيف الذين بيّضوا وجوههم ووجوه أرحامهم وأقاربهم وأصدقائهم. وكذلك من أنفقوا أموالهم، ومن جمع التبرّعات، واستقرض الأموال، ومن كانت عليه الديون واستدان مرّة أخرى لأجل إقامة هذه الشعيرة المقدّسة، كما كان يقوم به مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله حيث كان وبعد نفاد ما عنده من أموال، يستقرض أموالاً من الآخرين لتمشية أمور المسلمين، ويستدين مرّات ومرّات أخرى، وتتكدّس عليه الديون، وكان صلى الله عليه وآله يستدين من آخر لتسديد دين أو ديون آخر. وهذه سنّة من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله، ويقول القرآن الكريم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب: الآية21

كذلك أشكر كل من قدّم الخدمة وبذل الجهود وسعى إلى إقامة الشعائر الإلهية المقدّسة، وبالأخصّ الشعائر الحسينية المقدّسة، في أي مقام كان، كاسباً أو موظّفاً أو عاملاً، وعالماً وأستاذ جامعة، ووزيراً وأميراً، ورجالاً ونساء، أشكرهم جميعاً، وأدعو لهم كافّة. علماً أن دعائي ودعاء من هو أكبر منّي ليس بشيء، فالذي يشكر من أقام الشعائر الحسينية المقدّسة هو مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، وتشكرهم السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها. وحقّاً إنّه لباعث على الأسى أن يستطيع المرء من تقديم الخدمة أكثر وأكثر ولكنه يقوم بالقليل فيحرم نفسه من بعض المراتب العالية، من شكر رسول الله والسيّدة الزهراء والأئمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فطوبى لمن حصل على الرقي والارتقاء بمقامه عند الله تعالى وبنيل المراتب العالية بمشاركته في العزاء الحسيني وفي تعظيم الشعائر الحسينية.

 

فاعتبروا يا أولي الأبصار

لقد جاء الإمام الحسين صلوات الله عليه إلى الدنيا لكي يخلد فيها ويبقى. وبعض الحكومات تأتي وتزول، مثل الشيء الذي يستعمل لمرّة واحدة فقط ويُرمى، كالإناء وكبعض السجاد، ومنهم حكومة بنيّ أميّة وحكومة بني العباس الذين ظلموا كثيراً، وارتكبوا ظلمين كبيرين، وكان أكبر ظلم ارتكبوه هو الظلم بحقّ الإسلام وتسمية أنفسهم باسم الإسلام.

بهذا الصدد، أوصيكم بالذهاب إلى مكانين، واسعوا إلى أن تأخذوا العبرة من مشاهدتهما، كما يقول القرآن الكريم: «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ» سورة الحشر: الآية 2. وشاهدوا معجزة الله تعالى وقدرته عزّ وجلّ.

المكان الأول: أرض الخلفاء الكائنة خلف الملوية في سامراء، والثاني هي بركة السباع.

دفن في هذه الأرض ستة من طواغيت بني العباس، ومنهم المتوكّل والمعتزّ والمقتدر، ولكن لا تجد أي أثر لهم، ولا حتى نصف آجرة كعلامة أو أثر لقبر المتوكّل أو المعتزّ وغيره، فأين المتوكّل؟ وبالمقابل انظروا كم وكم من الملايين والملايين من الناس يذهبون لسامراء لزيارة مرقد الإمام الهادي صلوات الله عليه الذي تعرّض للظلم الكثير والأذى الكثير من المتوكّل العباسي، ويقيمون العزاء للإمام الهادي صلوات الله عليه.

إنّ حكومة المتوكّل هي من مصاديق الشيء الذي يستعمل لمرّة واحدة فقط. فأمثال المتوكّل يأتي لمدّة وبعدها يذهب، وتبقى له اللعنة عليه. فلقد كان المتوكّل صاحب أكبر حكومة على وجه الأرض، ومارس هو وطواغيت بني العباس الظلم الكثير، وقتلوا الكثير، وأعدموا الكثير من الناس، ولكن هل تجد لهم اليوم أثراً؟ أليس هذه الحكومات هي حكومات استعمال لمرّة واحدة، وبعدها تُرمى في المزابل.

 

من شوّه الإسلام؟

أيّها الشباب أوصيكم بقراءة تاريخ أهل البيت عليهم السلام وتاريخ أعدائهم. لقد كان لأربع من الخلفاء العباسيين بركة السباع، لهارون في بغداد، وللمأمون في سرخس، وللمعتصم والمتوكّل في سامراء. فهؤلاء حفروا حفرة كبيرة وعميقة في الصحراء، وأودعوا فيها السباع الضارية الجائعة، وكان يلقون بما يسمّى بالمجرم فيها، لكي تفترسه السباع.

إنّ الظلم الكبير الذي ارتكبه بنو أميّة وبنو العباس، هو انّهم شوّهوا الإسلام. وهكذا فعل غيرهم ومنهم صدام الذي أعدم في يوم واحد عشرة آلاف إنسان، وهذا العدد من القتلى لم يقع ولم يحدث خلال وفي طول خمسين سنة من قبل في العراق، ولكن ارتكبه صدام في يوم واحد فقط! وغيرها من الجرائم لغيره من الحكّام. وهذه كلها ليست من الإسلام أصلاً، وكلا، وكلا.

لقد قلبوا الإسلام وحرّفوه بالكامل من بعد استشهاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. وكان أول شهيد بعد استشهاد النبيّ صلى الله عليه وآله هي السيدة الزهراء صلوات الله عليها، وكان سبب استشهادها هي خطبها الشريفة. فالإسلام الذي ليس كإسلام النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وبعيداً عن سيرته وليس مثلها، ليس إسلاماً. فرسول الله صلى الله عليه وآله لم يقتل إنساناً واحداً بسبب أنّه خطب خطبة ما. فيجب أن يعرف العالم لماذا قُتلت السيدة الزهراء صلوات الله عليها.

 

السيّدة الزهراء فضحت الظالمين

لقد قالت السيدة الزهراء صلوات الله عليها في خطبها الشريفة كلمات تسمّى اليوم بالفضح أي فضحت القوم. وبسبب هذا الأمر تعاملوا معها ذاك التعامل. فعندما ذهب عدّة من النساء إلى السؤال عن حال السيدة الزهراء صلوات الله عليها، قالت لهم: أصبحت عائفةً لدنياكم، قاليةً لرجالكم.

ذكر التاريخ أنّ جيش الإسلام أسر أحد رؤوس الكفّار وقد حارب رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمين لسنين عديدة، وكان يعبئ الناس ضدّهم. فطالب الجنود من جيش الإسلام بإعدامه، ولكن لم يسمح لهم رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذا هو الإسلام الحقيقي. فعلى الشباب أن يعرّفوا السيرة الحكومية لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله لكل رؤوساء الدول غير الإسلامية، لكي يعرفوا الإسلام الحقيقي، فنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله هو للمخلوقات كافّة. وهذا ما يجب أن يعرفه العالم. لقد قسّم الإسلام الكفّار إلى خمسة أقسام، وفي حالة واحدة فقط يمكن قتل الكافر، وهو الكافر الحربي الذي يحارب المسلمين، ويُسمح بقتله في مقام الدفاع عن النفس، ولا يمكن قتل غيره أبداً. وهذا من جميل الإسلام الذي يجب إيصاله للدنيا كلّها.

 

الشعائر المحسنية

بعد أيّام ستحلّ علينا الشعائر المحسنية المقدّسة. فعلى الجميع أن يهتمّوا ويسعوا إلى إحياء أوامر الإسلام المنسية عبر طريق إحياء الشعائر المحسنية. واعلموا انّ هذا العزاء الذي يقام في الأيام المحسنية هو استمرار لعزاء شهري محرّم وصفر. وأما ما قاله أحد المعمّمين من أنّ هذه الأمور لم تكن في الماضي، فهذا كلام من لم يدرس المكاسب وهذا من أمثال العوام بحقّ.

بلى، لا حاجة لأن يكون الوجود للأيام المحسنية في الماضي، كما هو بالنسبة لسائر الشعائر الدينية والإسلامية. فقد جاء في الروايات: علينا إلقاء الأصول. والأيّام المحسنية هي كسائر الشعائر، مؤيّدة وفق الأصول والمباني الإسلامية.

 

المنسيّ من الإسلام

وعلى ذكر المنسي فإنّ من أوامر الإسلام المنسية هو الزواج السهل، الذي يجب أن يُحيا في المجتمع من قبل الجميع، وليس الزواج المقيّد بالكثير من القيود والمشاكل، الذي ولأجل تحقّقه يحتاج إلى سنة وسنتين وثلاث وأربع. وزواج رسول الله صلى الله عليه وآله هو من مصاديق الزواج السهل، ولكنه منسيّ مع الأسف الشديد، وبالنتيجة تجد اليوم الملايين من الشباب، ذكوراً وإناثاً لم يوفّقوا للزواج.

 

أيّها الشاب العزيز الذي تريد الزواج سهّل أمر زواجك، ويا أيّتها الشابّة التي تريدين الزواج، سهّلي أمر زواجك، ولا تركضا وراء اسم من يتقدّم للزواج، واسم عائلته وعشيرته وأمثالها، بل عليكم وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله أن تعرفوا أخلاقه ودينه فقط. بلى راعوا المستحبّات والمكروهات، ولكن لا تقولوا بأن المهر القليل أو السهل والابتعاد عن التشريفات في الزواج هو أمر معيب. بل العيب هو أن يبقى الشاب بلا زواج وهو بعمر كبير، فيصاب والعياذ بالله بالأمراض وبالذنوب والفساد.

إذن تعلّموا من رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لم يكن عنده أي مقدار من المال عندما أراد أن يتزوّج السيدة خديجة سلام الله عليها التي كانت من أثرى الأثرياء وهي التي أرسلت أربعة آلاف دينار من ذهب بيد أبي طالب سلام الله عليه ليوصلها إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ليأتي بها كمهر لها سلام الله عليها. فاسعوا إلى أن يكون الملاك عندكم في انتخاب الشباب للزواج هو الدين والأخلاق، ولا تزيدوا عليهما غير ذلك، وسهّلوا أمر الزواج.

 

سنّة فريدة فضيلة للزواج

لقد كان بإمكان نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله أن يجعل المهر الغالي في أمر زواجه، ولكنه لم يفعل، بل أسّس للزواج في الإسلام أساساً يجعل كل الشباب متزوّجين وكل الشابّات متزوّجات، ولكن لم يُعمل بهذا الأساس، فترى اليوم الكثير والملايين من الشباب والشابات بلا زواج وعزّاباً في كل البلدان. فالذي قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وأسّسه في قضية الزواج، لا نظير له في الدنيا أبداً، وفريداً، فضيلة وعظمة، فهو صلى الله عليه وآله لم يجعل كل الدنانير التي أرسلتها السيدة خديجة سلام الله عليها للمهر، بل جعل منها خمسمئة درهم من فضّة للمهر فقط، ولم يك هذا العمل بخلاً منه صلى الله عليه وآله، والعياذ بالله، بل لكي يكون هكذا الزواج وهكذا المهر، ولكي يتمكّن الفقير من الزواج، وتتمكّن الفقيرة من الزواج، وبعدها يسعوا إلى تهيئة باقي حاجات الزواج والبيت والعيش. وهكذا كان مهر زواج الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وإلى من بعده من الأئمة صلوات الله عليهم.

إنّ تسهيل زواج الشباب مسؤولية على الجميع، على الآباء والأمّهات والعوائل والأقارب والأرحام والجيران وحتى على الحكومات، حتى يعمل كل واحد منهم في مجال مسؤوليته ويسير وفق هذا المنهج. ولذا على المؤمنين أن يسعوا إلى إحياء هذه السنّة النبوية الشريفة بعد الأيام المحسنية.

 

التضحية لأجل الدين

إذن علينا جميعاً أن نسعى العمل بما أرسله الله تعالى وهو القرآن الكريم الذي استشهد من أجله رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: (ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول). وكذلك استشهد لأجله باقي المعصومين الاثنى عشر صلوات الله عليهم، وحتى الإمام المهديّ المنتظر صلوات الله عليه وعجّل الله تعالى فرجه يستشهد لأجله، بعد ظهوره الشريف.

كما علينا أن نعرف ما هو الإسلام بأكمله وبتمامه. فالإسلام ليس مسألة واحدة أو مئة مسألة. الإسلام فيه الاقتصاد والسياسة والاجتماع والأخلاق والعائلة والبيع والشراء والتصدير والاستيراد، وغيرها الكثير والأنواع والأنواع. فالإسلام قانون كامل ولا يتغيّر. ولأجل هذا القانون قُتل الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، ولأجله قُتلت السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وهذا ما يجب إيصاله للدنيا كلّها. هذا أولاً. أما ثانياً: أن نبدأ نحن بالعمل بقانون الإسلام وتطبيقه، كل في حدود نفسه..

 أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق الجميع وأن يشملهم دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله، للعمل وفقاً لما قال به نبيّ الإسلام والأئمة الأطهار وعملوا به صلوات الله عليهم. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

* تعريب: علاء الكاظمي

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://t.me/relations113
التعليقات