لوحة عصر عاشوراء
للفنان الإيراني محمود فرشجيان
بقلم: سامر قحطان
هذه اللوحة من ابداع الفنان الايراني محمود فرشجيان وهي من اشهر لوحاته واكثرها انتشاراً، اطلق عليها تسمية عصر عاشوراء كونها تمثل مشهدا دارت وقائعه عصر يوم العاشر من محرم الحرام بعد انتهاء المعركة وقبيل توجه مشاعل الطغاة لحرق الخيام المقدسة.
تمثل هذه اللوحة مشهداً واقعياً استقاه الفنان من واقعة الطف الاليمة يوم استشهاد سيدي ابا الأحرار عليه السلام ، تلك الفاجعة التي ابكت ملائكة السماء وما زالت، حيث يصور الفنان فرس الحسين عليه السلام حين عودته الى الخيام وهو هائج هياجاً شديداً، وقد ملأ البيداء صهيلاً عظيماً وجعل يضرب الأرض برأسه عند خيمة الإمام الحسين كأنه يريد إخبار العائلة بما جرى على راكبه ويواسي نساء ال بيت النبوة ومن في المخيم باستشهاد سبط النبي الاكرم صلوات الله عليه واله، وحين رأين الفرس خالياً من راكبه ارتفع صياحهن وخرجن حافيات باكيات يضربن وجوههن لما نزل بهن من المصيبة والبلاء وهن يصحن وينادين "وا محمداه ،واعلياه ،وافاطماه ، واحسناه ، واحسيناه".
إن القيم الجمالية الخالصة التي طرحها فرشجيان في هذا المنجز الفني ، جاءت على وفق أدائه التلقائي الذي هو خليط من المخيلة الخصبة والعقلية التصويرية حيث ألغى فاعلية معرفته الاستدلالية والمنطقية فحيد من تقنيته الأكاديمية بإلغاء الرؤيا الحسية المباشرة للأشياء ، واستبدلها برؤية جمالية عذرية خالصة للشكل تنطلق نحو عالم روحاني خالص.
ان هول المشهد وقسوته قاد الفنان الى الية في تنفيذ اللوحة اقام من خلالها بناءه الشكلي بأداء تلقائي مباشر واحساس بآنية الشعور تم بمعالجة خاصة للسطح التصويري تمثلت بالدقة وانتقاء الالوان بما يقرب المتلقي من الواقع والاجواء المقدسة لهذا المشهد مستخدماً فرشاة عريضة نسبيا محملة ببعض من الكثافة الزيتية واخرى دقيقة بعض الشيء لإبراز المزيد من التفاصيل مما جعل عناصر الصورة تتحرك داخل نسق دائري من العلاقات الشكلية المتوازنة. ولاجل تحرير الصورة واقترابها من واقعها الموضوعي سعى لتمويه الاشكال في خلفية اللوحة مستخدما اللون الاصفر كأساس لإبراز قدسية المشهد فضلاً عن الجو المكتظ بغبار المعركة مع بعض من الخطوط اللونية البارزة لتمثل جزءاً من خيمة وبعض جذوع النخيل المتخيلة .
لقد جاء اختيار الفنان للألوان وفقا لمتطلبات البعد النفسي والروحي للموضوع لما يحمله من مأساة مرتبطاً بالخبرة الفنية بغية تكثيف الشعور واسقاطه كمدركات بصرية على اللوحة ، فعند تحول اللون الى شكل تبدأ اللوحة بالحديث عن مكنوناتها بلغة العاطفة والانفعال الوجداني فالمتلقي يستقبل تلك الرسالة البصرية ويترجمها وفقاً لما يمتلكه من خبرة في هذه اللغة ثقافة فنية فضلا عن تأثره بالحدث الذي تصوره اللوحة وذلك نراه جلياً في هذه اللوحة للفنان محمود فرشجيان حينما قام بأسقاط عواطفه وانفعالاته الوجدانية متأثرا بهذا المشهد الأليم ممزوجة بتجربته وخبرته اللونية لإنشاء هذه الصورة المؤثرة والمعبرة .