هو مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليهم، عمّه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، شهد صِفّين، وأرسله الإمام الحسين عليه السّلام إلى الكوفة سفيراً عنه وممثّلاً له بعد أن فزع أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه السّلام يستنصرونه، وكتبوا له، فلمّا هلك معاوية سنة 60 هجريّة أخذت كتبُ أهل الكوفة ورسلُهم تَتْرى على أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه، فأجابهم:
فَهِمتُ كلَّ الذي اقتَصَصتُم وذكرتم، ومقالةُ جُلِّكم أنّه ليس علينا إمام، فأقِبلْ لعلّ الله يجمعنا بك على الحق والهدى، وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلمَ بن عقيل.. (1)
واستقبلت الكوفة مسلماً رضوان الله عليه، فأقام هناك 64 يوماً بعد أن دخلها في شوّال سنة 60 هجريّة، فبايعه أهل الكوفة للحسين عليه السّلام، ولكنْ سُرعان ما غُدِر به وأُسلِم وحيداً، فطوّقه جُند عبيدالله بن زياد ثمّ غدر به بعد إعطائه الأمان، وقتله وألقى ببدنه الشريف من أعلى قصر الإمارة، فاستُشهِد رضوان الله عليه في الثامن من ذي الحجّة سنة 60 هجريّة (2)، وكان عمره 48 سنة.
المرقد الزاهر
دُفن الشهيد مسلم بن عقيل رضوان الله عليه بجانب المسجد الأعظم في الكوفة، ومشهدُه اليوم ينافس الآفاق رفعةً وبهاءً، حتّى لَتُشاهَد قبّته الذهبية مِن بُعد، ويزدحم عنده المسلمون من شرق الأرض وغربها لزيارته والصلاة في حرمه المبارك.
والمرقد الطاهر لمسلم مجاورٌ لجدار مسجد الكوفة من جهة الشرق، وكانت تعلو الشبّاكَ الذي يُحيط بالقبر قبّةٌ عالية مغطّاة بالقاشاني من الخارج، ثمّ جُدّد بناء الحرم فيما بعد عام 1965م، إذ وُسِّع الرواق المحيط بالضريح، كما تمّ توسيع جوانبه الأُخرى.
وقد تَمَّت زخرفة الجدران الداخليّة لحرم الشهيد مسلم، والقبّة بالمرايا، وقامت الأوقاف بتوسيع الصحن الممتدّ بين ضريح مسلم بن عقيل وقبر هاني بن عروة المقابل له، كما قامت ببناء أروقةٍ فيه سنة 1960م، فشُيّد سورٌ للمرقدَين.
جاء في رحلة نيبور أنّه عُلِم من الكتابة التي كانت منقوشةً على البناء المشيَّد فوق قبرَي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، أنّ محمّد بن محمود الرازي وأبا المحاسن بن أحمد الشيرازي هما اللّذانِ شيّداه سنة 681 هجرية. وذُكر أنّ عادلة خاتون بنت أحمد باشا ابن الحاج حسن باشا، زوجة الوالي سلمان پاشا، شَيَّدت جدران مسجد الكوفة من ناحية الشمال الغربي على نفقتها الخاصّة.
جاء في ( مراقد المعارف 309:2 ) لحرز الدين: أرانا رئيسُ السَّدَنة الشيخُ طعمة الكوفي أنقاض شبّاك آخر لقبر مسلم عليه السّلام يعود تاريخ صُنعه إلى سنة 1055هـ هجرية، وكانت المرأة الجليلة أُمّ آغا خان قد تبرّعت به كما جاء في أحد أبواب الشبّاك.
وجدّد الحرمَ النَّوّاب حافظ محمّد عبدالحي خان في ربيع الأول سنة 1232 هجرية، وجاء تاريخ الفراغ من التجديد في أبياتٍ شعريّة آخرها:
هي بابُ حِطّةٍ فادخُلوها سُجَّدا ـ 1232هـ
وقد أمر المرجع السيّد محسن الحكيم بصنع شبّاك للعباس ومسلم والقاسم بن موسى الكاظم ومقام أمير المؤمنين عليهم السّلام في مسجد الكوفة. وقد أرّخ ذلك السيّد محمّد جمال الهاشمي بقوله:
زُرْ مُسلِماً إنْ كنتَ حقّاً مُسْلِما فـالدِّينُ والإيمانُ فيه تَجسَّمـا
جاء الحكيمُ به إليـك مُقدِّمـاً فيه بياناً للعواطـفِ مُحكَمـا
وفي عام 1384 هجري قام الحاج محمّد رشاد مرزة بتجديد بناء المرقد والصحن. وفي سنة 1387 هجرية قام الحاج محمّد حسين رفيعي البهبهاني الكويتي بتذهيب القبّة بأمر السيّد الحكيم أيضاً، وقد أرّخه السيّد موسى بحر العلوم بقصيدة منها قوله:
مِن شمسِ أنوارِ الولايةِ أرِّخوا كالبدرِ أشرقَ نـورُ قبّةِ مُسِلمِ
1 ـ الإرشاد للشيخ المفيد 204.
2 ـ تاريخ الطبري 213:6، اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس 23.