مَقامُ الإمامِ المَهُديّ عليه السّلام في الحلّة

معالم وآثار
2019-01-30 آخر تحديث :2019-01-30 07:00

حين في التعرّف على مقام الإمام المهديّ عليه السّلام في الحلّة، يجدر بنا أن نقف عند الآثار التاريخيّة لهذا الأثر المبارك من خلال هذه المخطوطات: المخطوطة الأُولى: مخطوطة الشيخ ابن هيكل ( 636 هـ / 1216 م ) ـ وهي تذكر تاريخاً لعمارة هذا المقام، فيقتضي وجودَه قبل هذا التاريخ بسنواتٍ عديدة. وقد كتب المحقّق السيّد محمّد صادق بحر العلوم ( ت 1399 هـ ) في تحقيقه كتاب ( لولؤة البحرين ) للشيخ يوسف البحراني ـ ص 272 أنّ السيّد حسن الصدر قال في كتابه ( تكملة أمل الآمل ): رأيت بخطّ الشيخ الفقيه الفاضل ابن هيكل الحليّ ـ تلميذ ابن فهد الحليّ ـ ما صورته: حوادث سنة 636 هـ، فيها عَمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمّد بن جعفر بن نما الحلي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عليه السّلام بالحلّة السيفيّة، وأسكنها جماعةً من الفقهاء.

 

حين في التعرّف على مقام الإمام المهديّ عليه السّلام في الحلّة، يجدر بنا أن نقف عند الآثار التاريخيّة لهذا الأثر المبارك من خلال هذه المخطوطات:

المخطوطة الأُولى: مخطوطة الشيخ ابن هيكل ( 636 هـ / 1216 م ) ـ وهي تذكر تاريخاً لعمارة هذا المقام، فيقتضي وجودَه قبل هذا التاريخ بسنواتٍ عديدة. وقد كتب المحقّق السيّد محمّد صادق بحر العلوم ( ت 1399 هـ ) في تحقيقه كتاب ( لولؤة البحرين ) للشيخ يوسف البحراني ـ ص 272 أنّ السيّد حسن الصدر قال في كتابه ( تكملة أمل الآمل ): رأيت بخطّ الشيخ الفقيه الفاضل ابن هيكل الحليّ ـ تلميذ ابن فهد الحليّ ـ ما صورته: حوادث سنة 636 هـ، فيها عَمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمّد بن جعفر بن نما الحلي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عليه السّلام بالحلّة السيفيّة، وأسكنها جماعةً من الفقهاء.

المخطوطة الثانية: مخطوطة ( نهج البلاغة ) المُستنسخة سنة 677 هـ / 1256 م ـ وهي تذكر أنّ ناسخها السيّد نجم الدين الحسين بن أردشير الطبريّ الآبدارآباديّ ـ وهو رجل فقيه ثقة ـ قد نسخها في هذا المقام الشريف بالحلّة بتاريخ أواخر شهر صفر سنة 677 هـ.

المخطوطة الثالثة: مخطوطة (الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة )، وهي مختصرٌ لكتاب ( منهاج الهداية ومعراج الدراية ) للعلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهَّر الحليّ، وتاريخ المخطوطة بداية القرن الثامن الهجري، وقد استُنسخت بجوار المقام الشريف لصاحب الزمان عليه السّلام في الحلّة السيفيّة بيد الشيخ عزّ الدين الحسن بن ناصر الحدّاد العامليّ، الذي أثنى عليه الميرزا الأفنديّ في ( رياض العلماء 322:1 و 346 )، والخاتوني ( ينظر: أعمان الشيعة للسيّد محسن الأمين 178:9 ).

المخطوطة الرابعة: مخطوطة ( تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإمامية ) للعلاّمة الحليّ، نسخها محمود بن محمد بن بدر سنة 723 هـ / 1302 م في مقام صاحب الزمان عليه السّلام بالحلّة ـ وعلى وجه الدقّة يوم الثلاثاء سادس رجب من سنة 723 هـ. ( يراجع: مكتبة العلاّمة الحلي ـ للمحقّق السيّد عبدالعزيز الطباطبائي ص 97، وفهرست مكتبة السيّد المرعشي 285:17 / الرقم 6732 ).

المخطوطة الخامسة: مخطوطة ( قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام ) للعلاّمة الحليّ، نَسَخها في هذا المقام: جعفر بن محمد العراقي وأخوه الحسين بن محمّد العراقي وقد انتهيا منها يوم السبت أوّل جمادى الآخرة سنة 776 هـ / 1355 م. ( يراجع: مكتبة الآخوند في همدان ـ إيران / الرقم 927، مكتبة العلاّمة الحليّ للمحقّق الطباطبائي ص 144 ).

المخطوطة السادسة: مخطوطة ( المختصر النافع ) لنجم الدين جعفر بن الحسن، المعروف بـ « المحقّق الحليّ » خال العلاّمة الحليّ، لم يُعرف ناسخها، إلاّ أنّ تاريخ النسخ هو: 16 / ربيع الأوّل / سنة 957 هـ، ومكان النسخ هو: مدرسة صاحب الزمان عليه السّلام المجاورة لمقام صاحب الزمان عليه السّلام في الحلّة السيفيّة. ومكان النسخة الحالي: إيران ـ مشهد الرضا عليه السّلام ـ المكتبة الشخصيّة لعبد الحميد المولويّ.

موقع المقام

يقع هذا المقام المبارك في مركز مدينة الحلّة بالعراق، في منطقةٍ تُدعى ( السَّنيّة ) في سوق الصفّارين على يمين الداخل إلى هذا السوق، أو على يسار الداخل إلى السوق الكبير، وخلف جامع الحلة الكبير. وهو مشهورٌ عند أهل الحلّة بـ ( مقام الغَيبة ) نسبةً إلى الإمام الغائب عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف.

وصف المقام

يطلّ المقام الشريف على السوق بمساحة قدرها 5 / 9 م2، والمساحة الكليّة للمقام بنحو 35 م 2. ويتوسّط واجهةَ المقام بابٌ من خشب الساج ارتفاعه 2م، ويعلو البابَ شعرٌ يؤرّخ عمارة السيّد مهدي القزوينيّ سنة 1317 هـ، كما يعلو واجهةَ المقام « آيةُ التطهير » جُدّدت سنة 1422 هـ، وزيارة مختصرة للإمام عليه السّلام، وزُيّنت واجهة المقام بالزخارف الإسلاميّة.

على يمين الداخل إلى المقام مكان للوضوء، وعند الدخول إلى المقام يُرى شبّاك مصنوع من خشب الساج علوّه 75 / 1 م وعرضه متر واحد، تعلوه زيارة للإمام عليه السّلام وهي الزيارة المطلقة التي نقلها السيّد ابن طاووس في ( مصباح الزائر ص 441 / الزيارة الخامسة المستحسنة التي يُزار بها صلوات الله عليه وسلامة ) وأوّلها: « السَّلامُ عَلَى الحَقِّ الجَديد... ».. كُتبت بالقاشانيّ الأزرق.

وعند توجّه الزائر إلى جهة القبلة يكون الشبّاك إلى الخلف، وباب المقام إلى الأمام. كُتب على لوحٍ فوق الباب من الداخل شعرٌ يؤرّخ العمارة الأخيرة للمقام سنة 1422 هـ، ويعلو البابَ دعاءٌ معروف، أوّله: « يا مَنْ أَظَهَرَ الْجَميل.. » وعليه تاريخ كتابته سنة 1417 هـ / 1996م وقد كُتب على القاشانيّ الأزرق. أمّا القبّة من الداخل فمزيّنة، وقد كُتب عليها آية النور وأسماء أهل البيت عليهم السّلام يعلوها لفظ الجلالة، وتتدلّى من وسطها ثريّا جميلة فاخرة. ومن الخارج فالقبّة مكسوّة حديثاً لا يوجد عليها أيّة كتابة أو تاريخ سوى أسماء الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، وهي شامخة ظاهرة للعيان من بُعد.

وما زال المقام يحتاج إلى توسعة، وإضافة خدمات أخرى تتجاوز المساحة الحاليّة الضيّقة التي لا تتعدّى 35 متراً مربّعاً.

الجامع الكبير

رغم أن مساحة المقام ضيّقة، وتحتاج إلى توسعة، إلاّ أنّه أُريد هدم المقام سنة 1422هـ / 2001م بحجّة جعله بيتاً خاصّاً لإمام وخطيب أهل السُّنّة في جامع الحلّة الكبير المجاور للمقام، لكنْ لم يتمّ ذلك، حيث تُثْبت النقول التاريخيّة المبثوثة في المصادر المعتبرة أنّ سعة مساحة المقام الشريف كانت تشمل الجامع الكبير المجاور له اليوم، إذ الجامع كان تابعاً للمقام وليس بالعكس، ويكفي في إثبات ذلك طرح هذه الأدلّة الواضحة:

أ ـ إنّ اسم جامع الحلّة الكبير عند أهل الحلّة مشهور بـ ( جامع الغَيبة )، وهو متسالم عليه خَلَفاً عن سَلَف.

ب ـ إنّ مقام الغَيبة الآن يحتوي على القبة فقط دون منارة، والحال أنّ مقامات الأئمّة عليهم السّلام ومشاهدهم لم نَرَها خاليةً من المنارة، وهذا يدل على أنّ الجامع الذي يحتوي على المنارة وليس له قبّة، والمقامَ الذي يحتوي على القبّة وليس له منارة.. هما مكان واحد.

ج ـ إنّ خلوّ الجامع الكبير من القبّة أمرٌ لافت، إذ المساجد الإسلاميّة على كثرتها في العالم الإسلاميّ، صغيرها وكبيرها، كلّها تحتوي على قباب، فيبدو أنّ قبّة المقام ومنارة الجامع هما في بناءٍ واحد، وقد كُتب على المنارة السابقة للجامع لفظ الجلالة واسم النبيّ وأسماء أهل بيته الاثني عشر صلوات الله عليه وعليهم، وتلك إشارة واضحة إلى أنّ المنارة كانت تابعة للمقام، أو أنّ الجامع والمقام تشكيلة بنائيّة متّحدة وواحدة.

ويبقى الأمر التاريخيّ ثابتاً أنّ الجامع الكبير في الحلّة أصلُه لشيعة أهل البيت عليهم السّلام، وقد أُخِذ قسراً مِن قِبَل الحكومات الظالمة في العراق، وتبقى الشهرة طاغيةً أنّ أهل الحلّة شيعة منذ عهدٍ قديم، حتّى كتب ابن بطوطّة في ( رحلته ص 139 ) عند دخوله الحلّة سنة 725 هـ: وأهل هذه المدينة كلّهم إماميّة، إثنا عشريّة. كذا أشار إلى ذلك السيوطيّ في ( البغية ص 151 )، والسيّد محسن الأمين في ( أعيان الشيعة 201:1 ) حيث قال: وتشيّعُ أهل الحلّة مشهور معروف من قديم الزمان، وكانت الحلّة دار العلم للشيعة في القرن الخامس الهجريّ وما بعده، وإليها الهجرة ( أي الهجرة العلميّة )، وخرج منها جماعة من أجلاّء علماء الشيعة وفقهائهم وأدبائهم.

كذا ذكر المرجع الدينيّ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في مقدّمة كتاب الشيخ اليعقوبيّ ( البابليات ) أنّ للحلّة مزايا أربعاً؛ منها: تشيّعُها مِن أوّل تأسيسها..

ولذا تنصرف الأذهان والشواهد والاحتمالات القويّة إلى أنّ جامع الحلّة الكبير؛ أوّلاً: كان للشيعة الإماميّة، وثانياً: كان مُلحقاً وتابعاً لمقام الإمام المهديّ سلام الله عليه في مدينة الحلّة.

العمارات السابقة

1. لابدّ أن تكون هناك عمارة للمقام في القرن السادس الهجريّ، لما اهتمّ بمثل هذا الأمر أبو البقاء هبة الله بن نما مؤلّف كتاب ( المناقب المزيديّة في أخبار الدولة الأسديّة ) الذي لا توجد منه إلاّ نسخة واحدة وهي في المتحف البريطانيّ تحت الرقم 230296.

2. في القرن السابع الهجريّ كانت هنالك عمارة أخرى ذكرها ابن هيكل الحليّ في حوادث سنة 636 هـ حيث قال: فيها عَمّر الشيخ الفقيه ابن نما الحليّ بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عليه السّلام بالحلّة السيفيّة، وأسكنها جماعةً من الطلبة. ( ينظر: لؤلؤة البحرين ص 272، تحقيق: السيّد محمد صادق بحر العلوم ).

3. في القرن الثامن الهجريّ كانت عمارة المقام شامخةً في قلب الحلّة وعلى شهرةٍ واسعة.. كتب الشيخ محمّد حسن بن ناصر الحدّاد في ( الدرّة النضيدة ):

ـ في سنة 723 هـ نسخ فيه محمود بن محمد بن بدر كتاب ( تحرير الأحكام ) للعلاّمة الحليّ.

ـ في سنة 776 هـ نسخ فيه محمد بن جعفر العراقي كتاب ( قواعد الأحكام ) للعلاّمة الحليّ.

4. في القرن التاسع الهجريّ ذُكِرت عمارة المقام الشريف في كتاب ( تاريخ الحلّة لابن كركوش ج 1 ص 110 ) وفيه أنّ شاه علي بن اسكندر حاكم الحلّة حين هُوجم من قِبل جيش حسن علي أمير بغداد، ألقى بنفسه إلى صاحب الزمان ـ أي إلى مقامه عليه السّلام.

5. في القرن العاشر وما بعده، ذُكِرت عمارة المقام عندما زار سيّد علي رئيس المرسَل من قِبل سلطان مصر سنة 961 هـ، كما ذُكرت في عهد الدولة الصفويّة ( 930 ـ 1120 هـ ) حينما عيّنت تلك الدولةُ آلَ القيّم لسدانة المقام.

6. في القرن الرابع عشر الهجريّ، وعلى وجه الدقّة سنة 1317 هـ / 1896م، سعى لعمارة مقام الغَيبة في الحلّة السيّد محمّد بن السيّد مهدي القزويني ( 1262 ـ 1335 هـ ) الذي كان يهتمّ بعمارة الآثار التاريخيّة.. وقد أرّخ الشيخ محمّد الملاّ ( ت 1322 هـ ) هذه العمارة في قصيدةٍ له يخاطبه فيها:

مـحمّداً.. فيك العُلى قُسِّمتْ حيثُ آسمُك آشتُقَّ من الحمدِ

بـأنّك الـحائزُ عِـلماً بِـهِ تَـهدي إلى الإيمان والرُّشدِ

شـيّدتَ لـلقائمِ مِـن هاشمٍ مَـقامَ قُـدْسٍ شـامخِ المَجدِ

فـلم يـزل يَهتفُ فيك الثَّنا عـلى لـسانِ الحرِّ والعَبدِ

ذا خَلَفُ المهديّ قد أرَّخُوا: ( شادَ مَقامَ الخَلَفِ المهدي )

7. في القرن الهجري الحالي ( الخامس عشر )، وتحديداً في سنة 1422 هـ / 2001م، سعى المرجع الدينيّ السيّد علي الحسيني السيستانيّ في تجديد عمارة المقام بجهود بعض المؤمنين الخيّرين، بالرغم من الجهود الساعية إلى طمس آثار أهل البيت عليهم السّلام، وقد تضمّن التجديد:

أ. تغليف القبّة المنيفة السامية للمقام بالقاشاني الأزرق.

ب. تغليف أرضيّة المقام وجدرانه بالمرمر الفاخر.

ج. تزيين سقف المقام والقبّة من الداخل بالمرايا.

د. تكييف المقام وإنارته بالمصابيح والثريّات.

وقيل في ذلك شعر، كان منه:

فــي الـحلّة أَثَـرٌ يَـتجَدّدْ مِــن آثــارِ آلِ مُـحـمّدْ

يَـتـوارثُه أهــلُ بـلادي أبـنـاءً آبــاءً عـن جَـدّ

حـتّى يَـرِثَ الأرضَ جميعاً ألـصـالحُ مِـن آلِ مـحمّدْ

قِـفْ واخـلَعْ نَـعلَيكَ وصَلِّ فـي هـذا الـمحرابِ الأمجَدْ

واهتُفْ: يا آبنَ الحسنِ المهدي يــا غـائبَنا جُـدَداً جَـدّدْ

هؤلاء.. زاروا المقام

عدّة من العلماء وأصحاب الآثار تشرّفوا بزيارة مقام المهديّ صلوات الله عليه في الحلّة، مُقرّين ومقرّرين أنّه أثرٌ تاريخيّ شريف لصاحب الزمان عليه السّلام، ومُثْبِتين ومُثبّتين حقيقةً تاريخيّة دينيّة مباركة تبهج القلوب، وتدعو الأرواح للطواف في رحاب صاحب ذلك الأثر العباديّ الطيّب.

1 ـ آخر صفر / سنة 677 هـ / 1256م: زار المقامَ السيّد نجم الدين أبو عبدالله الحسين بن أردَشير الطبريّ، وقد نسخ كتاب ( نهج البلاغة ) هناك.

2 ـ في 6 / رجب / سنة 723 هـ / 1302م: زاره محمود بن محمّد بن بدر، وقد نسخ في المقام كتاب ( تحرير الأحكام الشرعيّة ) للعلاّمة الحلّي.

3 ـ في سنة 725 هـ / 1304م: زار المقامَ الشريف الرحّالة ابن بطّوطة ( ت 779 هـ )، صاحب كتاب ( تحفة النُّظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار )، الذي زار في رحلته داخل العراق في تلك السنة ضريحَ أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام.

4 ـ في 18 / شعبان / ( بداية القرن الثامن الهجري ) زار المقام أبو محمّد الحسن الحدّاد العامليّ، وإلى جواره ألّف كتابه ( الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة ) للعلاّمة الحلّي، وكان حيّاً سنة 739 هـ.

5 ـ في بداية القرن الثامن الهجري زار المقام الشريف حاكمُ الحلّة مرجان الصغير، وكان شديد البغض للشيعة، وكان كلّما دخل المقام أعطى ظهرَه القبلة الشريفة إذا جلس، حتّى شاهد كرامة فتغيّرت عقيدته وصار يستقبل القبلة إذا جلس في المقام.

6 ـ في سنة 744 هـ / 1323 م زارت المقامَ أمُّ عثمان وكانت عمياء فكُشِف عن بصرها داخله، فباتت فيه مع نساءٍ مؤمنات، فتشيّعت هي وولدها عثمان ببركة صاحب المقام الإمام المهدي صلوات الله عليه.

7 ـ في سنة 759 هـ / 1338م زاره الشيخ الزُّهْدَريّ، بات فيه وكان مصاباً بالفالج فشُفيَ مِن ليلته.

8 ـ في غرّة جُمادى الآخرة / سنة 776 هـ / 1355 م زار المقامَ جعفرُ بن محمّد العراقي، وهناك نسَخَ كتاب ( قواعد الأحكام ) للعلاّمة الحليّ.

9 ـ وفي سنة 961 هـ / 1540م زاره سيّد علي رئيس مُرسَلاً مِن قِبل سلطان مصر، وكان أمير قبطانيّته، فأرسله إلى العراق لإحضار السفن في ميناء البصرة إلى مصر، وقد تشرّف بزيارة مقام الغَيبة في الحلّة ومقام عقيل بن أبي طالب هناك أيضاً، وزار مشهد الشمس، ثمّ عاد إلى بغداد.

زيارة الإمام في هذا المقام

 كتب الميرزا حسين النوريّ: ليس خفيّاً أنّ مِن جملة الأماكن المختصّة المعروفة بمقامه صلوات الله عليه: وادي السلام، ومسجد السهلة، والحلّة، ومسجد جمكران خارج قمّ، وغيرها.. والظاهر أنّه في تلك المواضع تشرَّفَ مَن رآه أرواحناه فداه، أو ظهرت معجزة، ولهذا دخَلَت في الأماكن الشريفة المباركة، وأنّ هناك محلَّ أُنس وهبوطَ الملائكة.. وهي أحد الأسباب المقرِّبة لإجابة الدعاء وقبول العبادة.

وجاء في بعض الأخبار أن الله جلّ جلاله يُحبّ أن يُعبَد في أمثال هذه الأماكن، مثل: المساجد، ومشاهد الأئمّة عليهم السلام، ومقابر أولاد الأئمّة والصالحين والأبرار.. وهي من الألطاف الغيبيّة الإلهيّة للعباد الضالَين والمضطرّين، والمرضى والمستدينين، والمظلومين والخائفين، والمحتاجين، ونظائرهم من أصحاب الهموم وموزّعي القلوب ومشتَّتي الظاهر ومختلّي الحواسّ، فإنّهم يلجأون إلى هناك ويتضرّعون ويتوسّلون إلى الله عزّوجلّ بصاحب ذلك المقام، وبالطبع كلّما سعى الزائر أن يكون هناك أكثر أدباً واحتراماً، فسوف يرى خيراً أكثر. ويُحتَمل أنّ جميع تلك المواضع داخلةٌ في جملة بيوت الله تعالى، والتي أمر أن تُرفع ويُذكَرَ فيها اسمه جلّ وعلا، ومَدَح مَن سبّحه بُكرةً وأصيلاً.. ( النجم الثاقب للميرزا النوريّ ج 139:2 ).

وكتب العلاّمة المجلسي: اعلَمْ أنّه يستحبّ زيارته صلوات الله عليه في كلّ زمانٍ ومكان، وفي السرداب المقدّس، وعند قبور أجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين أفضل ( بحار الأنوار 119:102 ).

 وكتب الشيخ الكفعميّ في ( البلد الأمين ص 432 ): يُستحبّ زيارة الإمام المهديّ عليه السلام في كلّ مكان وزمان، والدعاءُ بتعجيل فرجه صلوات الله عليه عند زيارته.

 أمّا ابن أبي الجواد النعمانيّ فقد رُويَ عنه ما مضمونه أنّ الإمام صاحب الزمان عليه السّلام موجود في هذا المقام ليلة الجمعة ويومها، ويومُ الجمعة هو يومه سلام الله عليه وباسمه، ويُستحبّ فيه زيارته بالزيارة الواردة في ( جمال الأُسبوع ص 41 ـ 42 ) وأوّلها:

« اَلسَّلامُ عَلَيكَ يا حُجّةَ اللهِ في أَرضهِ، اَلسَّلامُ عَلَيكَ يا عَيْنَ اللهِ في خَلْقهِ..

وتنتهي بـ: فَأَضِفْنِي وَأَجِرْنِي صَلَواتُ اللهِ عَلَيك وَعَلى أَهْلِ بَيْتِكَ الطُّاهِرِين »

 

وقد كتب السيّد ابن طاووس قبل ذِكْره للزيارة: أقول متمثّلاً وأُشير إليهم صلوات الله عليهم:

مُحِبُّكُمُ وإنْ قُبِضَتْ حَياتـي وزائرُكُم وإنْ عُقِرتْ رِكابي

وبعد ذِكْر هذه الزيارة كتب: أنا أتمثّل بعد هذه الزيارة، وأقول بالإشارة:

نَزيلُك حيثُ ما اتّجهَتْ ركابي وضَيفُك حيثُ كنتُ مِن البلادِ

 وقال الميرزا محمّد تقي الموسويّ الأصفهانيّ في كتابه ( مكيال المكارم ج 2 ص 64 ) عند ذِكر الأمكنة التي يتأكّد فيها الدعاء له عليه السّلام، منها: المقامات المنسوبة إليه، ومشاهده، ومواقفه المباركة بيُمْن وقوفه عليه السّلام فيها: كمسجد الكوفة، ومسجد السهلة، ومسجد صعصعة، ومسجد جمكران، وغيرها؛ لأنّ عادة أهل المودّة جاريةٌ على أنّهم إذا شَهِدوا موقفاً من مواقف محبوبهم تذكّروا لأخلاقه، وتألّموا لفراقه، ودَعَوا في حقّه، بل يأنسون بمواقفه ومنزله، حبّاً له.. وقد قيل:

ومِن مَذهبي حبُّ الديارِ لأهلِها وللناسِ فيما يَعشقونَ مَذاهـبُ

فينبغي للمؤمن المخلص إذا دخل السرداب المبارك، أو شهد موقفاً من مواقفه الكريمة المشرّفة، أن يتذكّر صفات مولاه.. ويتفجّع غاية التفجّع من تصوّر تلك الأحوال، ويسأل مِن القادر المتعال أن يُسهّل فَرَجَ مولاه، ويُعطيَه ما يتمنّاه، من دفع الأعداء، ونصرة الأولياء.

هذا، مضافاً إلى أنّ المقامات المذكورة مواقف عبادته ودعائه عليه السّلام، فينبغي للمؤمن المحبّ التأسّي به في ذلك؛ فإنّ الدعاء بتعجيلِ فَرَجه وكشفِ الكُرَب عن وجهه مِن أفضل العبادات، وأهمّ الدعوات.

وكتب أحد الزائرين للمقام أنّ كثرة توافد الزائرين على مقام الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف في الحلّة تدلّ على: شُهرة الإجابة، وثقة الناس بهذا المقام، وشيوع الكرامات الحاصلة والإجابات الواضحة والعاجلة. ولم يَخْلُ المقام الشريف هذا طول السنة وعلى مدى الأيّام من الزائرين والمتبرّكين والمتوسّلين، وطالما صدعت الصلوات علامةً على حصول كرامة، يعقبها توزيع الحلوى وزغاريد العجائز اللاتي اغرورقت عيونهنّ بدموع الفرح والبشارة.

كرامات بيّنات

الحكاية الأُولى: حكاية أبي راجح، نقلها الشيخ المجلسيّ في ( بحار الأنوار 71:52 ) عن: ( كتاب السلطان المُفرّج عن أهل الإيمان ) للسيّد عليّ بن عبدالحميد النيليّ النجفيّ، قال: مِن ذلك ما اشتهر وذاع، وملأ البقاع، وشَهِد بالعيان أبناءُ الزمان، هو قصّة أبي راجح الحمّامي بالحلة. وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل، وأهلُ الصدق الأفاضل، منهم: الشيخ الزاهد العابد المحقّق شمس الدين محمّد بن قارون، قال:

كان الحاكم بالحلّة شخصاً يُدعى « مرجان الصغير » رُفع إليه أبو راجح أنّه يسبّ بعض الصحابة، فضربه ضرباً شديداً وشوّه وجهه، فترجّاه الناس أنّه شيخ كبير وهو ميّت لِما به، حتّى أمر بتخليته، فبات في أهله ولم يشكَّ أحدٌ أنّه يموت من ليلته.

وغدا عليه الناس من الغد، فإذا هو قائم يصلّي على أتمّ حالة، وقد عادت ثناياه التي سقطت، واندملت جراحاته فلم يَبقَ لها أثر، وزالت الجروح من وجهه، فتعجّب الناس وسألوه عن أمره، فقال: إنّي لمّا عاينتُ الموت ولم يبقَ لي لسانٌ أسأل اللهَ تعالى به، أخذتُ أسأله بقلبي، وأستغيث إلى سيدي ومولاي صاحب الزمان عليه السّلام. فلمّا جنّ علَيّ الليل، إذا بالدار قد امتلأت نوراً، وإذا بمولاي صاحب الزمان قد أَمرّ يده الشريفة على وجهي وقال لي: « اخرُجْ وكِدَّ على عيالك؛ فقد عافاك الله تعالى »، فأصبحتُ كما ترون.

قال الشيخ شمس الدين معلّقاً: أُقسم بالله تعالى، أنّ أبا راجح كان ضعيفاً جداً، أصفرَ اللون شَين اللحية، فلمّا أصبحتُ كنت ممّن دخل عليه، فرأيته وقد اشتدّت قوّته، وانتصبت قامته، واحمرّ وجهه، وعاد كأنّه ابنُ عشرين سنة، ولم يزل على ذلك حتّى أدركَتْه الوفاة.

ولمّا شاع الخبر طلبه الحاكم وأحضره عنده، ولم يَرَ لجراحاته أثراً، وثناياه قد عادت، فداخَلَه رعبٌ عظيم، حتّى أنّه كان يجلس في مقام الإمام المهدي عليه السّلام في الحلة يُعطي ظهرَه إلى القبلة، فصار يجلس مُستقبِلَها، وعاد يتلطّف على أهل الحلّة. ( عن البحار: النجم الثاقب للميرزا النوريّ 220:2 ).

الحكاية الثانية: وفي ( كتاب السلطان المُفرِّج عن أهل الإيمان ) أيضاً: من ذلك بتأريخ صفر / سنة 759 هـ حكى لي المولى العالم عبدالرحمان بن العمانيّ، وكتب بخطّه الكريم عندي ما صورته:

قال العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى عبدالرحمان بن إبراهيم: إنّي كنتُ أسمع في الحلّة السيفيّة ـ حماها الله تعالى ـ أنّ الشيخ الأجلّ الفقيه القارئ نجمَ الدين جعفر بن الزهدريّ كان به فالج ( شلل الأعضاء )، فعالجَتْه جدّته لأبيه بكل علاج فلم يبرأ، فأشار عليه بعض الأطباء ببغداد فأحضرَتْهم زمناً طويلاً فلم يبرأ، ثمّ قيل لها: ـ ألا تُبيّتينه تحت القبّة الشريفة بالحلّة في مقام صاحب الزمان عليه السّلام، لعلّ الله يُعافيه ويُبرئَه!

ففعلت، وبيّتته تحتها، فأنهضه صاحبُ الزمان عليه السّلام، وأذهبَ عنه الفالج. ثمّ بعد ذلك ـ والحديث ما يزال لعبد الرحمان بن إبراهيم ـ حصل بيني وبينه صحبة، وكان له دار معشرة يجتمع فيها وجوه أهل الحلّة، فاستحكَيتُه عن قصّته، فقال لي:

ـ إنّي كنتُ مفلوجاً وقد عجز الأطبّاء عنّي.. وحُكيَ لي ما كنتُ أسمعه مستفاضاً في الحلّة من قضيّته، وأنّ الحجّة صاحب الزمان عليه السّلام قال له ـ وقد أباتته جدّته تحت القبة ـ: قُمْ. يقول:

فقلت: يا سيّدي، لا أقدر على القيام منذ سَنتي!

فقال: قم بإذن الله تعالى.

وأعانني على القيام، فقمتُ.. وزال عنّي الفالج، فانطبق الناس علَيّ حتّى كادوا يخنقونني، يأخذون ما كان علَيّ تبرّكاً، فكساني الناس مِن بعض ثيابهم، ورجعت إلى البيت وليس فيّ أثرٌ للفالج. ( عنه: بحار الأنوار 73:52 ).

الحكاية الثالثة: قال العالم الفاضل الآميرزا عبدالله الأصفهاني ( الشهير بالأفندي ) في كتابه ( رياض العلماء ج 5 ) ضمن ترجمته للشيخ ابن أبي الجواد النعماني، وهو ممّن رأى الإمام المهديّ عليه السّلام في غيبته الكبرى وروى عنه، قال الأفنديّ:

ـ رأيت في بعض المواضع ـ نقلاً عن خط الشيخ زين الدين عليّ بن الحسن الخازن الحائريّ تلميذ الشهيد الأوّل ـ أنّه قد رأى ابنُ أبي الجواد النعماني مولانا المهديّ عليه السّلام، فقال له النعمانيّ:

ـ يا مولاي، لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلّة، فأين تكون فيهما ؟

فأجابه: أكون بالنعمانية ليلةَ الثلاثاء ويوم الثلاثاء، ويومَ الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلّة، ولكنّ أهل الحلّة ما يتأدّبون في مقامي، وما مِن رجلٍ دخل مقامي بالأدب ويتأدّبْ ويُسلّم علَيّ وعلى الأئمّة، وصلّى علَيّ وعليهم اثنتي عشرة مرّة، ثمّ صلّى ركعتين بسورتين، وناجى الله بهما المناجاة، إلاّ أعطاه الله تعالى ما يسأله، أحدُها المغفرة.

فقلت: يا مولاي، علّمْني ذلك.

فقال: قل: « اللّهمَّ قد أخَذَ التَّأديبُ مِنّي حتّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأنتَ أرحمُ الرّاحمين، وإنْ كان ما اقتَرَفتُه مِنَ الذُّنُوب أستَحقُّ بِهِ أضعافَ أضعافِ ما أدَّبتَنِي بِهِ، وأنت حَليمٌ ذُو أناةٍ، تعفُو عن كَثِيرٍ حَتّى يَسْبِقَ عَفوُكَ ورَحمتُك عَذابَك ». قال: وكرّرها علَيّ ثلاثاً حتّى فهِمْتها [ أي: حَفِظْتُها ]. ( النجم الثاقب 138:1 ).

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://t.me/relations113
التعليقات