حاوره / محمود آل مرزوق
يعتبر سماحة العلامة السيد محمد باقر الفالي خطيب المنبر الحسيني، من الشخصيات الغنية عن التعريف و صوته ليس بغريب ، و كلماته لا تنسى ، و حديثه يؤنس ، ينتقل من هنا إلى هناك من أجل هدف راقٍ كشخصيته ، يقابلك بكل تواضع و يقوم بنفسه على خدمة زائريه و لا يبخل بإعطاء مايفيدهم ، تلمس بجانبه تواضع الحديث و كأنك تعرف هذا الشخص منذ زمن و تتكلم معه بعفوية لا بتكلف ، تلقى منه كل كلمة جميلة و لا يرد زائر يقصده لأجل حاجة هي لديه و ممكنة ، تتشرف الناس بمصافحته و لقائه و إن أشتد على الناس رضيت بمسحة يدٍ تطال جسده ، يقصده الناس من كل بقعة و أرض و من جميع الجنسيات و الأعراق ، لا يأتيه هاتف إلا و رد عليه مرحباً وقد تشفق عليه و أنت بجاوره لكثرة الإتصالات التي يتلاقها بدون إنقطاع ، فبمجرد إنتهاء المكالمة الأولى تأتيه المكالمة الثانية و قد لا تنتهي ليأتيه صوت الهاتف الأرضي بالرنين ، فما أن ينتهي من الأول حتى يجيب على الثاني ، وقد لا يتسع لك المجال للحديث مع سماحته لمدة 5 دقائق متتالية بدون إنقطاع ، ومع ذلك تجده صابراً و يسعد بخدمة الجميع و لقائهم ، فهذا جزء يسير مما يستشفه الإنسان بمجرد حضوره بجوار هذه الشخصية ، فكان حديثنا مع فضيلته يتطرق لعدة جوانب خلال هذا اللقاء:
• ما المتاعب التي واجهتكم حالياً و التي واجهتك من قبل؟
من قبل في الواقع نحن من الصغر عشنا في حياة المتاعب والجهاد والتشرد ، كان عمري 11 سنة عندما هجموا على بيتنا و أخذوا السيد الوالد الله يرحمه أيام عبد السلام عارف ( عليه لعائن الله ) رئيس العراق آنذاك وكان من النواصب ، وبعدها سَجَنَ الوالد ، و للمرة الثانية أيام عبد الرحمن عارف سُجن ، و للمرة الثالثة و الرابعة أيام البعثيين سُجن و حُكم عليه بالإعدام ، ولكن ، أراد الله سبحانة و تعالى أن ينجي الوالد بدرجة من التخفيف ثم سُفر الوالد إلى إيران عندما كنا صغار ثم سُفرنا إلى إيران و شردنا من بلادنا و هذه حالة التشرد كانت إلى أن جئنا إلى إيران ، في إيران أيضاً الوالد الله يرحمه كان له جهاد ضد حكومة الشاه الظالم.
و الآن الحمد لله نشكر الله على كل حال ما رأينا إلا جميلا ، و لكن الآن نعاني مشكلة النواصب اللعناء المتربصين لنا في أي كلمة وفي أي قضية و يريدون أن يستهزؤا ﴿اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ ، أذكر بأني ذكرت مدينة فاطمة في البرتغال ، قضية واضحة موجودة ، هناك شباب زاروها ، و إن شاء الله إذا وفقت - و للأسف لا وقت لدي - أزورها و أؤلف كتاب عنها؛ حديثنا أن تنظر لترى ذاك الناصبي ليستهزئ أين مدينة فاطمة؟ ويشهد الله لو كانت مدينة عائشة أو حفصة لرأيتم الطائرات من بلاد المسلمين تطير لزيارة مدينة عائشة و حفصة ، ولكن لأنها مدينة فاطمة الزهراء المظلومة هكذا يستهزؤن ؛ على كلاً فنحن نعاني من وجود هؤلاء الظالمين ولا نقول إلا الحمد لله سبحانه و تعالى الذي جعل أعدائنا من الحمقى.
• رسالتكم في المنبر الحسيني؟
رسالتي في الواقع وكل الخطباء نحمل رسالة نشر القرآن بتفسيره الصحيح و بيانات أهل البيت عملاً بوصية رسول الله : " إنِّ تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي".
• ماهي رسالة المنبر الحسيني التي تقدمها للناس؟
في الواقع لا يوجد عندنا غير المنبر لنقدمه ، الشيعة إذا لا سمح الله يوم من الأيام تركوا مجالس الحسين و أهل البيت يقيناً يحدث لهم تخلف وجهل مطبق ، لأن مجالس الحسين هي مجالس النور وهي التي تبين، علماء الحوزة عندما يكتبون
الكتب أو يقعدون في الحوزة يدرسون، من الذي يبلغ؟ عمل المبلغ هو الخطيب الذي ينشر هذه الأفكار، فصوت العلماء و صوت مراجع التقليد هم الخطباء الذين يبينون الحق إن شاء الله للناس.
• توجهكم التاريخي في شؤون التاريخ الإسلامي على المنبر الحسيني ، ما الهدف منه؟
في الواقع المنابع الحسينية في التاريخ الإسلامي تلعب تقريباً 90 % من الدور فالله تعالى يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ ، ولكن نحن عندما نذكر التاريخ و إعتمادنا على التاريخ الصحيح على أساس ، فنحن لم نرى الحسين ولا يزيد ، ولم نرى الإمام علي ولا معاوية ، فإعتمادنا على التاريخ من أجل أن نميز بين الحق و الباطل و نعرف الأفراد ، لأنه عندما يصل التاريخ للناس مزيف كما حدث ، الذين جعلوا بنو العباس و بنو أمية أمراء للمؤمنين ، بينما الصحيح من قال بأنهم فسقة و فجرة و خمارين ، يجب على التاريخ أن يعرفهم ، وهذا هو التاريخ الموجود عنهم ، ولا يوجد تاريخ الطيبة عنهم ، هارون العباسي الآن في لاس فيغاس يوجد هناك بارهارون العباسي ، خمر يباع بمصر بأسم هارون اللارشيد ، لأن صفة الرشيد هي صفة الإمام الكاظم سرقها هارون ، على كلاً بيان التاريخ فيه عبرة للناس و بيان واقع للناس و الحق إلى جانب مظلومية أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين .
• الشعائر الحسينية مختلفة ، منها التطبير و اللطم و غيره، فما هو دورها في تركيز العقيدة؟
الشعائر الحسينية طريق وليس هدف ، فالهدف هو الوصول إلى بيان شخصية الحسين و مظلومية أبي عبد الله الحسين للعالم.
هناك كلمة للإمام الخميني قدس الله سره الشريف بما معناها لابد أن يكون العزاء على طريق المعمول قديماً. في اللغة الفارسية يقولون ( سنتي ) يعني على العادات الموجودة فيما بينهم ، عاداتكم ، عندكم العزاء ، أمشوا على طريقتكم في العزاء؛ فكيفية العزاء لا يوجد عندنا اختلاف حوله ، الكلام في الهدف من العزاء ، فالهدف هو إحياء ذكر الإمام الحسين ، فذكر الإمام الحسين هو ذكر للإسلام إن شاء الله.
• لو خيرت ( بعد رجوع الزمن ) فهل تختار غير الدراسة الدينية و المنبر الحسيني طريقاً لك؟
لا في الواقع عُرضت عليِّ مقامات عظيمة و كبيرة في الجمهورية الإسلامية و غيرها ولكني رفضت لأني مشغول بخدمة الإمام الحسين ولي الشرف و الآن لنا خدمة المنبر هو الشرف ، أحمل شهادات عالية ولست بحاجتها ، حتى إذا أردت أعوذ بالله ترك هذه الشهادات و أصبح كاسب لا أتوقع أن لا أحصل على لقمة العيش إن شاء الله ، إنما المسئولية الثقيلة التي أتحملها من خلال رؤيتي للمجتمع ، واجب عليّ أن أكون مبلغ ، مع هذا الضعف الذي أراه في شبابنا وفي المؤمنين و المؤمنات ، بقدر الإمكان إن شاء الله نستطيع خدمتهم و نخدم دينهم و نخدم الأحكام الشرعية و نخدم الحوزات العلمية ، إنما أخترت هذا الطريق لأجل المسئولية و ليس لأجل دنيا ، إن شاء الله لأجل آخرة.
• تنادي أصوات من بعض الشيعة و كثير من السنة بالنظر للتاريخ و للروايات و الزيارات بضرورة تنقيحها و غربلتها ، و بالخصوص فيما تحتويه من اللعن؟
أولاً: يكذب من يقول بأنه يستطيع أن ينقح التاريخ أو الزيارات أو غيره ، يكذب.
ثانياً: نحن لا يوجد لدينا زيارة من زيارات الإمام الحسين إلا و فيها اللعن على أعداء الإمام الحسين وعلى أعداء الحق.
القول بأن هذه الزيارات أو غيره و طرق رواياتها كذا و كذا؛ فنحن لدينا التسامح في أدلة السنن ، فهي ليست روايات فقهية حتى نذهب لعلم الرجال فيها و نرى فيهم كذا و كذا.
أما التاريخ فأتصور التاريخ الذي وصل لنا 1 % لم يصل لنا من تاريخ كتبنا كلها ، فقد حُرقت في أدوار مختلفة في التاريخ ، صلاح الدين أحرق مكتبات من الشيعة ، المغوليين أحرقوا مكتبات من الشيعة ، و أخيراً صدام التكريتي أحرق مكتبات في النجف الأشرف من الشيعة بعناوين مختلفة باسم شوط كهربائي (إلتماس كهربائي) ولكن بالنتيجة كتبنا المخطوطة أبيدت ، و الآن الذي وصل لنا أقل من القليل، أضف إلى أنه في التاريخ يكفي التواتر وليس الدقة العلمية الفقهية في التواريخ ، و أما قضية زيارات الإمام الحسين فهذا كتاب « كامل الزيارات » أكثر الزيارات يذكرها و كتاب « كامل الزيارات » كتاب معتبر قبل 1000 سنة مؤلف ، و يوجد فيه اللعن على أعداء الله .
ثم لنفرض أن زيارات الإمام الحسين لا يوجد بها لعن ، القرآن يلعن ، فهل يقدرون أن ينكروا القرآن ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾، فهل تقدر أن تخالف القرآن؟ القرآن لعن أعداء الله ، فمن هم أعداء الله؟ أعداء رسول الله مو أعداء الله؟ أعداء الإمام الحسين مو أعداء الله؟ يزيد مو من أعداء الله؟ معاوية مو من أعداء الله؟ أذن من هم أعداء الله ، يجب أن نعرف ، من الطبيعي لابد أن تلعن ﴿يَلعَنُهُمُ اللّهُ﴾، فلم لا تلعن ؟! والله يقول في أعداء الله ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾، فالأسلوب من الله سبحانه و تعالى وهي ليست مسألة خلافية حتى نريد أن نختلف في مسألة التواتر التاريخي أو نأتي بالدقة الفقهية.
• ماذا يعول على دور الإعلام المرئي في نشر العقيدة؟
الإعلام المرئي جداً مهم فنحن كنا بعيدين عنه و مظلومين نحن الشيعة لأنه لا يوجد دولة تساندنا بإعطائنا قناء مرئية و أن تكون مجرد قناة دينية ، لايوجد عندنا طبيعي ، فكل الدول تمشي على سياساتها ، الفضائيات التي تواجدت بجهود سماحة آية الله العظمى السيد الشيرازي حفظه الله، في الواقع أتصور الآن بأن لها الدور المهم وعلى باقي المراجع حتى يجدون مسئوليتهم ، وكل واحد من المراجع نتمنى أن شاء الله يوم من الأيام أقلاً يؤسس له فضائية واحدة و يتمكن من نشر آراء أهل البيت .
• بعض الشباب توجهوا لدراسة ظاهرة العرفان النظري و العملي ( كما يصفوه )؟
العرفان إذا أخذنا به بمعنى هذه الكلمة راح يصير فيه مغالطة ، إذن الغلط ، إذا كان الغرض من كلمة العرفان ، عرفان الله سبحانه و تعالى و هذا قصدهم ، نحن لا يوجد لدينا طريقة لمعرفة الله أحسن من معرفة طريق أهل البيت ، يعني أهل آل بيت الرسول أحسن من عرفوا الله و الروايات الموجودة ، أو الدراويش و الصوفية و أمثالهم والفلاسفة هم من عرفوه أفضل؟ نحن كمسلمين نعتقد أفضل الطرق هو طريق محمد و آل محمد وهو الصراط المستقيم.
الإمام علي يقول: " يا حبيب قلوب العارفين " فالعارفين بالله هم الذين عرفوا عن طريق أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين و عن طريق منجاتهم و عن طريق التراث الذي وصل عنهم ، وليس عن طريق الصوفية و الفلاسفة و أمثال ذلك.
• الإنترنت سلاح ذو حدين ، فماذا تنصح مستخدمها و بالخصوص الشباب؟
مشكلة شبابنا الله يحفظهم لابد أن يعرفوا هذا الشيء ، دائماً الشيطان و العقل في حرب ، فعندما يجلس الشخص على الإنترنت هناك مواقع فيها لذة بلا شك ، مواقع الجنس فيها الخلاعة و الفساد ، وهذا مثل الشاب الذي يريد مشاهدة الأفلام السينمائية التي تحتوي على الفساد و الخلاعة ، فكيف يريد أن يعيش؟ أو إذا أراد شخص من شبابنا المؤمنين الذهاب لبلاد الغرب ، فهناك يتوقع أن يحدث كل شيء ، فهل يدخل في البار أو في حالة السكر أو في دور البغاء ، أو يحفظ دينه؟ هذه قضية تحتاج إلى إرادة من الإنسان في الواقع في حفظ دينه ، إن شاء الله ، الله يستر عليهم و نحن نطلب من الله أن يحفظهم جميعاً ، المسلمين في صلاتهم دائماً يقولون ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾، فما معنى الآية؟ يعني بأن لا أنحرف.
﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ، دائماً نعرف بأن أهل الحق هم الأقلية ، أهل الباطل هم الأكثرية ، الآن أحظر أفضل خطيب شيعي بالعالم في أكبر قاعة بالعالم ، يتجمع له 20000 مستمع على أكثر حد ، ولكن عندما تحضر مطرب ، يجتمع له 100000 ، شيء طبيعي هذا ، لأن الناس يجتمعون على دنياهم أكثر مما يجتمعون على أمور آخرتهم ﴿ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ، القضية قضية إختيارية في هذه الدنيا.
• هناك رواديد ظهروا في الساحة بإستخدام طريق غير المنبر الحسيني فهل تنصح بذلك ، أم لابد كبداية أن يكون المنبر الحسيني هو خطوتهم الأولى؟
لاشك ، البداية من المنبر الحسيني ، الرادود لابد أن يأخذ دمعة من الناس ، أن يكون في خدمة أبي عبد الله الحسين كخادم ، و في نفس الوقت يستفيد من التكنولوجيا الجديدة ، بأن يقدم بعض الأبيات بشكل أداء أحسن في الأستوديو و أمثال ذلك لا مشكلة ، ولكن لا يتغلب على الطابع الحزين في قضايا الإمام الحسين وفي قضايا مصائب أهل البيت ، ولا يتغلب على الطابع المدح و الثناء في مجالس أفراح أهل البيت ، يعني لا تنقلب لا سمح الله مجالس أفراح أهل البيت تنقلب إلى مجالس اللهو و مجالس الغناء و الوناسة على حد تعبيرنا ، إنما تكون مجالس :" يفرحون لفرحنا " ، يعني أن يذكر الناس بأهل البيت وهذا ما يصنعوه رواديدنا جزاهم الله خيرا.
عموماً عندما أسمع بعض الأشرطة أرى أداء جميل لديهم ، بس إن شاء الله يهتمون بجانب الدمعة و هذا هو المهم ، لأن الناس عندما يحضرون لمجلس الرادود يذكرون مصاب أهل البيت كمثل ما يذكر في مجلس الخطيب ، قديماً الرواديد كانون أكثر من الخطباء ، يآخذون من الناس الدمعة و البكاء و اللطم.
• أستخدام الأداء أو الأسلوب أو اللحن الطربي هو الإنتقاد لبعض الرواديد الحسينيين؟
أن يكون الجانب الطربي هو الطاغي فهناك إلى درجة أن بعض العلماء لا يجوزوه ، عندما يسمع يطرب من الصوت أو من الأداء ، هذا لا يكون ، الرادود يُحب أن يطبق كلام الإمام الصادق : " يفرحون لفرحنا و يحزنون لحزننا " فهو لديه مجال في مديح أهل البيت جانب المديح و الثناء على أهل البيت وليس الطرب.