الجهد التربوي الخلاق للفقيه الشيرازي

آراء حرة
2019-02-05

حين يرحل عنّا العلماء والمصلحون الى جوار ربهم تعالى ويغادرون حياتنا الفانية الى الحياة الأبقى، فإنهم في الغالب يتركون وراءهم فراغا بيّنا من الصعب ملؤه أو تعويضه بسبب دورهم الهام والكبير في مجالات الفكر والتربية والاخلاق وغيرها، كما لاحظنا ذلك بعد رحيل الفقيه المقدس آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (اعلى الله درجاته).

حين يرحل عنّا العلماء والمصلحون الى جوار ربهم تعالى ويغادرون حياتنا الفانية الى الحياة الأبقى، فإنهم في الغالب يتركون وراءهم فراغا بيّنا من الصعب ملؤه أو تعويضه بسبب دورهم الهام والكبير في مجالات الفكر والتربية والاخلاق وغيرها، كما لاحظنا ذلك بعد رحيل الفقيه المقدس آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (اعلى الله درجاته).

 

لقد كانت لبحوث ومحاضرات الفقيه المقدس الشيرازي أثرها البالغ في المسلمين بسبب ما تنطوي عليه من رؤى وأفكار إنسانية ذات طابع أزلي يصلح لكل الأزمان ولكل الناس معا، ومع تعدد هذه الرؤى الفكرية وتوزعها على محاور مختلفة، إلا أننا سنلاحظ تركيزا دقيقا على عموم الجوانب التي كان يخوض فيها المقدس الراحل، فمثلما كان يبرع في مجال العقائد وتفسيرها وتبويبها وتفصيلها على نحو بالغ الوضوح فإنه (رحمه الله) كان يحرص على أن يكون واضحا ودقيقا ومفهوما في المجالات الاخرى التي يخوض فيها ومنها على سبيل المثال المجال التربوي.

لقد ترك لنا الفقيه المقدس الشيرازي إرثا فكريا تربويا خلاقا ركّز فيه على أهمية التربية الصحيحة للإنسان إبتداء من طفولته صعودا الى المراحل العمرية الاخرى، واعتبر أن التأسيس الاخلاقي الصحيح يبدأ مع نشأة الانسان وتطوره في الادراك والتعامل مع واقعه الجديد المتمثل بالحياة ومفرداتها المتنوعة، وقد أعطى الفقيه الشيرازي أهمية قصوى للجانب التربوي وعدّه من أهم الركائز التي تستند إليها الحياة القويمة للإنسان.

ولهذا السبب حفلت جميع بحوثه ومحاضراته باهتمام بالغ وكبير بالجهد التربوي الذي ينبغي على المعنيين بذله لاسيما في التعامل مع اللبنات الجديدة متمثلة بالاطفال أولا، ولم تكن هذه البحوث او المحاضرات ذات طابع إنشائي بحت، ولا تنحو الى التوجيه المعتاد القائم على الوعظ المعتاد الخالي من الأسانيد والدلائل المساعدة على تحويل الكلام الى فعل إيماني مجسّد على الارض، وإنما غالبا ما كانت هذه البحوث التربوية مستندة الى تجارب ساخنة مأخوذة من حراك المجتمع وأنشطته المختلفة في المجال التربوي.

فعندما يوجّه الفقيه المقدس بهذا المجال التربوي او ذاك فإنه يحرص كل الحرص على أن يدعم كلامه ورؤاه بتجارب فعلية حدثت على الارض كي يندمج القول التوجيهي بالفعل ثم يتحول الى مبادئ تربوية يأخذ بها الناس ويميلون إليها ويعتمدون عليها في حراكهم الحياتي المعتاد.

لهذا السبب نجد أن المسلمين كانوا يتوجهون من مدن عديدة وبعيدة  لحضور البحوث التربوية والعقائدية والفكرية عموما للفقيه المقدس، وذلك بسبب إعتماده إسلوبا بحثيا يرتكز الى الحقائق والتجارب المستلّة من عمق الواقع المجتمعي، فكان (رحمه الله) حين يتحدث عن كيفية التعامل مع الطفل تربويا يحرص على أن يدعم رؤاه وأفكاره وتوجيهاته في هذا المجال بأمثلة تساعد على ترسيخ الفكرية في أذهان وأفعال المستمعين، وحين تحدث في أحد محاضراته عن ضرورة عدم التجاوز على الطفل بالضرب وما شابه، فإنه قدّم مثالا مجسدا على الارض حين ذكّر الحاضرين بذلك الأب الذي ضرب يد ابنه بآلة حادة فأدى ذلك (وفقا لتوجيهات الطبيب) الى وجوب بترها او موت الطفل، ولا خيار للأب غير هذين الخيارين أحلاهما مرّ.

وهكذا كان الفقيه المقدس (رحمه الله) يحرص على أن يكون قوله مؤثرا بالآخر الى أبعد حد ممكن، ولا يكتفي قط  بالكلام الوعظي المعتاد الذي غالبا ما يسمعه او يقرأه الناس ويتأثرون به لحظويا، وعندما يغادرون البحث او المحاضرة فإن تأثير الكلمات والتوجيهات التربوية يزول عنهم، فيعودون الى ما كانوا عليه من سلوك معتاد قد ينطوي على أخطاء جمة في التعامل التربوي مع اطفالهم وعوائلهم على نحو عام.

لقد كان الفقيه المقدس الشيرازي ذا اسلوب متفرد في التأثير بالآخرين والسيطرة على مشاعرهم وأذهانهم في آن واحد، فكان له إسلوبه التربوي الخلاق الذي يجعله مؤثرا الى الحدود القصوى في الآخرين سواء كانوا طلابا او مستمعين او قرّاءً، وكانت عدته الثقافية تغص بآلاف بل بملايين التجارب المأخوذة من سيّر أهل البيت عليهم السلام فيذهب الفقيه الشيرازي الى زجها بإسلوب بالغ الاقناع في بحثه او محاضرته ليجعلها ذات تأثير وفائدة مؤكدة لمن يسمعها او يقرأها.

ومع مرور السنين وتتالي البحوث والمحاضرات التي كان يعقدها الفقيه الشيرازي مع آلاف الناس مضافا الى ذلك استخدام وسائل الاتصال الحديثة كالقنوات الفضائيات لنقل هذا الجهد التربوي الثر، بدأت هذه الجهود تؤتي أُكُلها، فصار حديث الفقيه المقدس الشيرازي مطلبا جماهيريا لملايين المؤمنين الذين يتعاملون معه على أنه المفكر الديني التربوي الاخلاقي القادر على بلورة وتدعيم أساليبهم التربوية مع أبنائهم وعوائلهم.

وبهذا كان لهذا الفكر التربوي الخلاق الذي انتهجه الفقيه المقدس الشيرازي أثرا بالغا وواضحا أشد الوضوح على عموم المؤمنين، والسبب هو اعتماده إسلوبا تربويا خاصا به يعتمد فيه على التجربة الساندة للقول من أجل ضمان تأثيره وفاعليته في الآخر، وهو ما كان يحدث فعلا مع آلاف بل ملايين الناس الذين كانوا يقرؤون او يستمعون لبحوثه ومحاضراته التربوية عبر الأثير او في شاشات التلفاز.

 

لقد ترك لنا الفقيه المقدس محمد رضا الشيرازي (رحمه الله) ثروة تربوية خلاقة تمثلت بمئات البحوث والمحاضرات والكتب التي انطوت على نهج تربوي خلاق يتطلب منا جميعا الحرص على التعامل معه بما يليق به ويستحقه من تقدير واحترام.

مؤسسة الفقيه الشيرازي الثقافية

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://t.me/relations113
التعليقات