السيد محمد حسن الحسيني الشيرازي المشهور بـالميزرا الشيرازي والمجدد الشيرازي، والميرزا الكبير، من أشهر مراجع تقليد الشيعة في القرن الرابع عشر، تسلم زعامة مرجعية الشيعة بعد وفاة الشيخ الأنصاري سنة 1281 للهجرة حتى نهاية حياته لمدة ثلاثين سنة، كما لقب بـصاحب التنباك أيضا على إثر إصداره فتوى في تحريم التنباك.
ولد في شيراز 15 جمادى الأولى سنة 1230 هـ، وكان طفلاً حيث فقد والده الميرزا محمود الذي كان من رجال الدين، فتولى تربيته خاله الميرزا حسن الموسوي المعروف بمجد الأشرف.
دخل الكتاتيب لتعلم القرآن الكريم، ودرَس الأدب الفارسي في الرابع من عمره وخلال سنتين أتم ذلك، ثم انكب على دراسة الصرف والنحو، وفي الثامنة أكمل دروس المقدمات، والظاهر أن السيد كان يتمتع بقابلية جيدة من الذكاء والفطنة، مما ساعده على تقبل هذه العلوم وتلقيها بصورة أهلته لدراسة كتاب شرح «اللمعة الدمشقية» وهو في الخامسة عشرة من سنيه.
بدأ بدراسة الفقه وأصوله، وفي 12 من عمره حضر درس الشيخ محمد تقي الشيرازي، وكان من كبار شرّاح اللمعة في شيراز، كما وبوصية من أستاذه توجه لتكميل دراسته إلى أصفهان وهو حينذاك عمره 18 سنة، وقبل هجرته إلى أصفهان بقي فترة يعمل كاتباً في ديوان شيراز حيث كان لهم شأن فيه، وذلك بدلاً عن أبيه الذي كان متولياً لهذا الأمر.
بعد أن أكمل دراسته في شيراز انتقل إلى أصفهان لإكمال الدراسات العليا للحوزة حيث كانت مركزا مشهورا لدراسة علوم الشريعة آنذاك، وهناك تزوج ببنت عمه، فأنجبت له ولداً باسم علي وبنتاً، توفيت زوجته الأولى سنة 1303 للهجرة، وكان له زوجة أخرى، وله منها ابناً باسم محمد وبنتاً.
وفي سنة 1287 للهجرة توّجه الميرزا الشيرازي لأداء حج الإسلام إلى مكة، والتقى في رحلته بشريف مكة، فبادر شريف مكة إلى زيارة الميرزا، ثم نوى المجدد الشيرازي أن يبقى في المدينة، ولكن لم تكن الظروف مهيأة لذلك، الأمر الذي أدى إلى رحلته إلى مشهد، ولكن في النهاية قرر أن يستقر في سامراء، فشد الرحال إلى هناك، وبقي حتى نهاية عمره في تلك المدينة.
في أصفهان:
في 17 صفر سنة 1248 هـ وصل إلى أصفهان، وأقام في مدرسة صدر، وشارك في درس محمد تقي الأصفهاني مؤلف كتاب هداية المسترشدين، وكان يحضر في درسه الخاص.
توفي أستاذه في نهاية سنة 1248 هـ، والتحق بعده بحلقة درس السيد حسن بيد آبادي المعروف بالسيد حسن المدرس، وقبل أن يبلغ العشرين تمكن من أخذ إجازة نقل الرواية من أستاذه الأخير.
أقام 10 سنين في أصفهان وإضافة إلى بيد آبادي، كان الميرزا يشارك في درس محمد إبراهيم الكلباسي.
النجف وكربلاء:
في سنة 1259 هـ قرر الميرزا - وكان عمره 29 سنة - الانتقال إلى النجف متبركا بالتشرف بزيارة مرقد الإمام علي عليه السلام، ثم حضر عند درس الشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب جواهر الكلام، والشيخ حسن كاشف الغطاء ابن الشيخ جعفر مؤلف كتاب "أنوار الفقاهة"، كما تتلمذ لفترة قصيرة على السيد إبراهيم بن محمد القزويني الحائري المتوفى عام 1263 هـ - المقيم في كربلاء، صاحب كتاب "ضوابط الأصول" ، غير أنه استقر على ملازمة درس الشيخ مرتضى الأنصاري، وكانت عمدة استفادته منه، فقد لازم أبحاثه فقها وأصولا حتى وفاته سنة 1281 هـ.
كان الميرزا من خواص تلامذة الشيخ الأنصاري، وفي خلال ملازمته لدرس الشيخ الأنصاري توطدت العلاقة بينه وبين أستاذه إلى درجة أن أخذ الشيخ يعظمه بمحضر طلابه، وكان الشيخ الأنصاري يقول بأني أباحث لثلاثة أشخاص: الميرزا الشيرازي، والميرزا حبيب الله الرشتي والآغا حسن الطهراني.
كما أن الشيخ الأنصاري كان إذا ناقشه الميرزا الشيرازي أثناء الدرس يصغي إلى كلامه، ويأمر الحاضرين بالسكوت، قائلاً: إن جناب الشيرازي يتكلم.
مرجعيته:
اجتمع تلامذة الشيخ الأنصاري في دار الشيخ الميرزا حبيب الله الرشتي، وكان ممن حضر الميرزا حسن الآشتياني، وحسن نجم آبادي وعبد الرحيم النهاوندي، وتدارسوا أمر المرجعية العامة، وترشيح من هو أهل لها، واتفقت كلمتهم على تقديم الميرزا الشيرازي لرئاسة المرجعية لما له من المؤهلات والخصائص التي تجعله أن يكون المرشح الأكثر قبولا لدى الأمة، وكان ذلك باقتراح من الميرزا حسن الآشتياني، وكان الميزرا الشيرازي في بداية الأمر مخالفاً لهذا الاختيار مقدماً حسن نجم آبادي لهذا المنصب، وكان يرى أنه أهل لذلك، ولكن في النهاية وبإلحاح من العلماء والفقهاء تسلّم مرجعية الشيعة.
وقارن الفقهاء وعلماء الأصول مكانة الميرزا الشيرازي العلمية مع أستاذه الشيخ الأنصاري، حتى أن بعضهم رجحه على الشيخ، وكان الشيخ الأنصاري قد دفع كتابه للميرزا الشيرازي للتصحيح والتقويم، الأمر الذي يكشف عن اعتماد الشيخ على الشيرازي.
توفي الميرزا الشيرازي الكبير يوم الأثنين 24 شعبان سنة 1312 للهجرة عن عمر ناهز 82 سنة، وشيعه المسلمون من سامراء إلى النجف الأشرف، ودفن في مدرسته التي تقع في جنب الصحن الحيدري إلى جوار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وعن سبب وفاته فقد ورد أنه توفي بالسل وهناك من يعزو ذلك إلى دس السم إليه بواسطة مرتزقة بريطانيا، ورثاه الشعراء منها السيد جعفر الحلي، فيقول في مطلعها:
بمن يقيل عثارا بعدك الزمن ومن سواك على الإسلام يؤتمن
تلامذته:
ـ الميرزا محمد تقي الشيرازي المشهور بالميرزا الشيرازي الثاني والميرزا الشيرازي الصغير.
ـ عبد الكريم الحائري اليزدي مؤسس الحوزة العلمية في قم
ـ الميرزا حسين النائيني، وكان كاتب الميرزا الشيرازي في أواخر عمره.
ـ الشيخ فضل الله النوري
ـ الآخوند الخراساني
ـ السيد محمد كاظم اليزدي
ـ الميرزا حسين النوري
ـ السيد إسماعيل الصدر
ـ محمد تقي آغا النجفي الأصفهاني
ـ السيد علي أكبر الموسوي الخونساري
ـ الميرزا إسماعيل الشيرازي ابنه المجدد الشيرازي
ـ السيد علي أكبر فال أسيري
ـ السيد حبيب الله البرهاني
ـ الحاج آغا رحيم أرباب
نشاطاته ومواقفه:
كانت له مواقف سياسية واجتماعية متعددة، منها:
ـ إرسال برقية إلى ملكة بريطانيا لوقف استمرار المجازر التي ترتكب بحق الشيعة في أفغانستان على يد عبد الرحمن محمد زائي، وذلك سنة 1309 هـ.
ـ السعي لتمتين الوحدة بين الشيعة والسنة من خلال تعزيز حوزة الشيعة العلمية في مدينة سامراء السنية آنذاك، ودفع رواتب ومعاشات ومساعدات مادية لطلبة وعلماء السنة، والتصدي للذين يبثون الخلافات بين الشيعة والسنة.
ـ تعليم وإرسال مبلغين إلى مناطق حساسة وتحت سيطرة حكومات كـ: الهند، وباكستان، وأفغانستان، والقوقاز، والعراق.
نص فتوى تحريم التنباك:
من أهم أحداث زعامة المجدد الشيرازي إعلان فتواه في تحريم التنباك، وذلك عندما حصلت شركة "رجي" البريطانية على انحصار التبغ والتنباك الإيراني، فبدأت الاحتجاجات في أربعة من المدن الإيرانية، وكان العلماء في مقدمتهم حيث قاد هذه الاحتجاجات الشيخ فضل الله النوري في طهران، والآغا نجفي الأصفهاني في أصفهان، والسيد على أكبر فال أسيري في شيراز، والميرزا جواد مجتهد التبريزي في تبريز، الأمر الذي أدى إلى صدور فتوى تحريم التنباك من قبل زعيم التشيع في عهد الشاه القاجاري ناصر الدين شاه، وأجبر الشاه على إلغاء هذا الاتفاق، وكان نص الفتوى على النحو التالي:
"بسم الله الرحمن الرحيم اليوم يُعدّ استعمال التتن والتنباك بأيّ نحو كان في حكم محاربة الإمام صاحب الزمان سلام الله عليه. حرره الأقل محمد حسن الحسيني".