هذا الاسم سمعه الناس كثيراً لدى ذِكْر قصّة شهادة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه في الكوفة، وتخيّل البعض أنّه من مسموعات المنبر وليس له أصلٌ في المدوّنات التاريخيّة أو في كتب المقاتل الحسينية. ولكنّ الحقيقة غير هذا، فقد ذكرت المصادر القديمة أنّ هذا الاسم متعلقٌ بامرأةٍ:
كانت مولاةً للأشعث بن قيس الكندي، حتّى أعتقها أُسَيد الحضرميّ ثمّ تزوّجها فولدت له غلاماً يُدعى « بلالاً ». وهي من المؤمنات المواليات لأهل بيت النبوّة عليهم الصلاة والسلام.
وقصّتها
معروفة مشهورة في إخفاء مسلم بن عقيل عليه السلام في بيتها، فبعد أن خذله أهل الكوفة وبقي وحيداً لا أحدَ يَدلّه على الطريق، وجدنا هذه المرأة المؤمنة تُؤوي مسلماً في بيتها، وتُعدّ له غرفة جانبيّة في جوف الدار لكي لا يعلم به ولدها بلال فيُخبر جلاوزة عبيدالله بن زياد.
وقد أحضرت لمسلم طعاماً إلاّ أنّه امتنع، ثمّ وقع ما كانت (طوعة) تخشاه، حيث ذهب ولدُها بعد أن أحسّ به فأخبر السلطة أنّ مسلماً مختبئ في بيت أمّه، وإذا بالجند يحاصرون الدار ويطلبونه، فيخرج مسلم بن عقيل رضوان الله عليه يقاتلهم وطوعة تقف إلى جانبه تنصره وتشجّعه على القتال، وتناوله الماء وقد ظمئ من شدّة مُجالَدته القوم، حتّى غُدِر به، فعادت حزينةً تبكيه وتحزن عليه، فرحمها الله وجزاها عن رسول الله وعن الحسين خير جزاء المحسنين.
هكذا رَوَوا
قال المؤرّخ المشهور ابن الأثير الجزري في تاريخه المعروف بـ (الكامل) وهو يتحدّث حول مصرع الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام:
فبقي وحيداً ليس معه مَن يَدُلّه على الطريق ( في الكوفة ) ولا مَن يُؤويه إلى منزل، فذهب على وجهه، واختلط الظلام وهو وحدَه يتردّد في الطريق لا يدري أين يذهب، فأتى باباً فنزل عنده وطرَقَه، فخرجت منه امرأة يُقال لها (طوعة) وكانت أمَّ ولدٍ للأشعث بن قيس، وقد كان له ابنٌ مِن غيره يُقال له (بلال بن أُسيد) خرج مع الناس وأُمّه قائمة بالباب تنتظره [ ومن هنا نعلم أنّ مسلماً لم يطرق الباب، وإنّما مرّ فرأته طوعة وكانت بالباب تنتظر ولدها بلالاً ].
فسقته، ثمّ دخلت وخرجت فوجدته، فقالت له ( وهي لا تعرفه ):
ـ ألم تشرب ؟ قال: بلى. قالت:
ـ فاذهبْ إلى أهلك عافاك الله، فإنّه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أُحلّه لك.
فقام مسلم وقال: يا أمةَ الله، ليس لي في هذا البلد منزلٌ ولا عشيرة، فهل إلى أجرٍ ومعروف نُكافئُكِ به بعد اليوم؟
ـ يا عبدالله، وما هو ؟!
ـ أنا مسلم بن عقيل، كذّبني هؤلاءِ القومُ وغَرّوني!
ـ أنت مسلم ؟! قال: نعم. قالت:
ـ أُدخل.
فأدخلته بيتاً ( أي حُجرةً ) من دارها غيرَ البيت الذي تكون فيه، وفرشت له، وعرضت عليه العَشاءَ فلم يتعشّ.
ثمّ كان ما كان من أمر مسلم رضوان الله عليه وشهادته المفجعة.
(يُنظَر: الإرشاد للشيخ المفيد:212، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي 207:1:، اللهوف على قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس:22، مناقب آل ابي طالب لابن شهرآشوب 93:4، إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي:225، تاريخ الطبري 371:5، الكامل في التاريخ لابن الأثير 31:4، البداية والنهاية لابن كثير 155:8، تذكرة خواصّ الأمّة لسبط ابن الجوزي الحنفي 309 ـ 311 / ط دار العلوم ـ بيروت، مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج الأصبهاني:102 ).